يعني: لا شك. ويقال: لا كذب. ويقال: لا جَرَمَ، أي: بلى. وذكر عن الفراء أنه قال:
لا جَرَمَ، كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة حقاً، أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ يعني: الخاسرين. ويقال: الأخسر إذا قلت بالألف واللام، يكون بمعنى الخاسر، وإذا قلت: أخسر بغير الألف واللام، يكون أخسر من غيره.
ثم أخبر عن المؤمنين، وما أعدّ لهم في الآخرة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني: صدقوا بوحدانية الله تعالى، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، يعني: الطاعات فيما بينهم وبين ربهم، وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، قال القتبي: يعني تواضعوا، والإخبات: التواضع.
وقال مقاتل: وَأَخْبَتُوا يقول أخلصوا، ويقال: يخشعون فرقاً من عذاب ربهم، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يعني: أهل الجنة هُمْ فِيها خالِدُونَ يعني: دائمون، لا يموتون ولا يخرجون منها.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٤ الى ٢٧]
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)
ثم ضرب مثل المؤمنين والكافرين فقال تعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ يعني: مثل المؤمن والكافر، مثل الذي يبصر الحق، ومثل الذي لا يبصر الحق: كَالْأَعْمى يعني: عن الإيمان، ولا يبصره، وَالْأَصَمِّ عن الإيمان، ولا يسمعه، وهو الكافر، وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وهو المؤمن. هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا في الشبه؟ ويقال: معناه، مثل الفريقين كالأعمى والأصم، والبصير والسميع، يعني: الذي لا يسمع من الذي لا يسمع ولا يبصر، هل يستوي بالذي يسمع ويبصر؟ ويقال معناه: كالأعمى والبصير، والأصم والسميع. وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكفار مكة: «هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ والأصَمُّ وَالسَّمِيعُ؟» قالوا لا. قال: أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني: أنهما لا يستويان. قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ بالتخفيف، وقرأ الباقون: أَفَلا تَذَكَّرُونَ بالتشديد.
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، إِنِّي لَكُمْ بكسر الألف، ومعناه: قال لهم إنِّي لكم نذير. وقرأ الباقون: بالنصب، ومعناه: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بالإنذار. وفي الآية تهديد لأهل مكة، ومعناه: واتل عليهم نبأ نوح، يعني: إن لم يتّعظوا بما ذكرت، فاتل عليهم خبر نوح.