وروى أبو صالح، عن ابن عباس: «أن نوحاً أوحي إليه وهو ابن أربعمائة وثمانون سنة، فدعا قومه مائة وعشرين سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ومكث بعد هلاك قومه ثلاثمائة وخمسين سنة، فذلك ألف سنة إلا خمسين عاماً»، وذكر عن وهب بن منبه، قال:
«أوحى الله تعالى إلى نوح وهو ابن خمسين سنة ولبث فيما بينهم تسعمائة وخمسين سنة، فلما هلك قومه عاش بعدهم خمسين سنة، فتمام عمره ألف وخمسون سنة».
وقال عكرمة: «إنما سُمِّي نوحاً لأنه كان ينوح على أهله ونفسه». ويقال: كان اسمه شاكرا، فمن كثرة نواحه على نفسه، سُمِّيَ نوحاً، فدعا قومه إلى الله تعالى وقال لهم: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ من العذاب. ويقال: مُبِينٌ يعني: بين بلغة تعرفونها أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ يعني: ألا تطيعوا ولا توحِّدوا إلا الله، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ يعني: الغرق.
قال الله تعالى: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ يعني: الأشراف من قومه مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا يعني: آدمياً مثلنا، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ يعني: ما آمن بك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا يعني: سفلتنا وضعفاؤنا بادِيَ الرَّأْيِ. قال الكلبي: ظاهر الرأي، يعني: إنهم يعرفون الظاهر، فلا تمييز لهم. وقال مقاتل: يعني: أراذلنا أي سفلتنا وضعفاؤنا. وقال القتبي: أَراذِلُنا يعني:
شرارنا، وهو جمع أرذل. وقوله: بادِيَ الرَّأْيِ، بغير همز، أي ظاهر الرأي، من بدا يبدو.
وأما بالهمز، فيعني: أول الرأي، من قولك: بدأ يبدأ. قرأ أبو عمرو: بادِيَ الرَّأْيِ بالهمز، وقرأ الباقون: على ضد ذلك.
ثم قال: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ أي قوم نوح قالوا لنوح: ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ في مُلْكٍ ولا مال، بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ يعني: نحسبك من الكاذبين. وقد يخاطب الواحد بلفظ الجماعة، ويقال: إنما أراد به نوحاً ومن آمن معه.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩)
قوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ يعني: قال نوح لقومه أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني: أخبروني إن كنت على دين ويقين من ربي وبيان، وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ يقول:
أكرمني بالرِّسالة والنُّبُوَّةِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ، يعني: عميت عليكم هذه البينة. ويقال: عُميتم عن ذلك. يقال: عمي عليه هذا، إذا لم يفهم. ويقال: التبست عليكم هذه النعمة وهذه البينة التي هي من الله تعالى، فلم تبصروها ولم تعرفوها. قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص، فَعُمِّيَتْ بضم العين وتشديد الميم، على معنى فعل ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون:


الصفحة التالية
Icon