لبابة بن عبد المنذر، حين أشار إلى بني قريظة أن لا ينزلوا على حكم سعد، وأشار إلى حلقه إنه الذبح «١». وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما حاصر بني قريظة من بعد انصرافهم من الخندق، ووقف بباب الحصن وفيه ستمائة رجل من اليهود، وقد كانوا ظاهروا قريشاً على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فناداهم: «يَا إخْوَةَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ، انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله وَرَسُولِهِ». فقالت اليهود: يا محمد، ما كنت فحّاشاً قبل هذا. فبعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا لبابة بن عبد المنذر، فدخل على اليهود فركنوا إليه وقالوا: يا أبا لبابة، أتأمرنا بالنزول إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم؟ فأشار بيده إلى حلقه، يعني: إنه الذبح إن نزلتم إليه «٢». فقال أبو لبابة: والذي نفسي بيده، ما زالت قدماي من مكاني، حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، وأوثق نفسه إلى سارية المسجد، حتى أنزل الله تعالى توبته ونزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ. وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ، يعني: لا تخونوا أماناتكم. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنها خيانة. قال محمد بن إسحاق: لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ يعني: لا تظهروا له من الحق ما يرضى عنكم ثم تخالفوه في السر، فإن ذلك هلاكاً لأنفسكم وخيانة لأماناتكم.
ثم قال عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
، يعني: بلاء عليكم، لأن أبا لبابة إنما ناصحهم من أجل ماله وولده الذي كان عند بني قريظة. وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
، يعني: الجنة لمن صبر ولم يخن.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ، يعني: إن تطيعوا الله ولا تعصوه، يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً يعني: يجعل لكم مخرجاً ونجاة ونصرا في الدنيا- ويقال: المخرج من الشبهات. وقال مجاهد: مخرجاً في الدنيا والآخرة «٣» -. وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، يقول:
يمحو عنكم ذنوبكم، وَيَغْفِرْ لَكُمْ يعني: يستر ذنوبكم وعيوبكم. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، يعني: ذو الكرم والتجاوز عن عباده.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٠]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)
قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وذلك أن نفراً من قريش اجتمعوا في دار الندوة. وكانت قريش إذا اجتمعوا للمشورة والتدبير كانوا يجتمعون في تلك الدار، فاجتمعوا فيها وأغلقوا الباب لكيلا يدخل رجل من بني هاشم، ليمكروا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ويحتالوا في أمره.
(٢) عزاه السيوطي إلى ابن جرير، وإلى ابن مردويه عن عكرمة.
(٣) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «ب». [.....]