[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص:
سُعِدُوا بضم السين، وقرأ الباقون بنصب السين. فمن قرأ بالنصب، فمعناه: الذين استوجبوا السعادة في الجنة، ومن قرأ بالضم، فمعناه: وأما الذين سُعِدُوا، أي قدر عليهم السعادة، وخلقوا للسعادة فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ أن يحبس في المحشر، وعلى الصراط. ويقال: الذين شقوا يعني الكفار، والذين سعدوا المؤمنين، ومعناه: الكفار في النار إلا ما شاء الله إن يسلموا، والمؤمنون في الجنة إلا ما شاء الله أن يرجعوا عن الإسلام. ويقال: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ يعني: قد شاء ربك.
ثم قال: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ يعني: رزقاً غير منقطع عنهم، ولا ينقص من ثمارهم، ولا من نعمتهم.
ثم قال تعالى: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ يعني: في شك مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ إن الله تعالى يعاقبهم بذلك، مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ يعني: لا يرغبون في التوحيد، كما لم يرغب آباؤهم من قبل الذين هلكوا، وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ يعني: نوف لهم ولآبائهم حظهم، من العذاب غير منقوص عنهم، وهو قول مقاتل. وقال سعيد بن جبير: معنى نصيبهم من الكتاب، الذي كتب في اللوح المحفوظ، من السعادة والشقاوة. وقال مجاهد:
وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ يعني: ما قدر لهم من خير أو شر.
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٠ الى ١١٢]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)
قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني: أعطينا موسى التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يعني: آمن به بعضهم وكفر به بعضهم، وهذا تعزية للنبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى يصبر على تكذيبهم كما صبر موسى على تكذيبهم.
ثم قال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني: وجب قول رَّبّكَ بتأخير العذاب عن أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني: لجاءهم العذاب، ولفرغ من هلاكهم، وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعني: من القرآن، مُرِيبٍ يعني: ظاهر الشك.
قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر: وَإِنَّ كُلًّا بجزم