قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ يعني: واستقم كما أمرت، وَأَقِمِ الصَّلاةَ أي: أتمّ الصلاة، طَرَفَيِ النَّهارِ أي: صلاة الفجر والظهر والعصر، وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ يعني: دخولاً من الليل ساعة بعد ساعة، واحدها: زلفة، وهي صلاة المغرب، والعشاء، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يعني: الصلوات الخمس يكفرن السيئات فيما دون الكبائر، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ يعني: الصلوات الخمس توبة للتائبين.
قال الكلبي: نزلت الآية في عمرو بن غزية الأنصاري، ويقال: نزلت في شأن أبي اليسر، كان يبيع التمر، فجاءته امرأة تشتري تمراً، فأدخلها في الحانوت، وفعل بها كل شيء إلا الجماع، ثم ندم فأخبر بذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية. ويقال: نزلت في شأن أبي مقبل التمار. وروي عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: «جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إني لقيت امرأة في البستان فضممتها إليَّ وقبلتها وفعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، فسكت عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرجل، وقرأها عليه، فقال عمر: «أله خاصة أم للناس كافة؟» قال: «بل للناس كافة» «١».
وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد قال: عن أبي عثمان، قال: كنت مع سلمان، فأخذ غصناً من شجرة يابسة فحته، ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مَنْ تَوَضّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتّ هذا الوَرَقُ» «٢» ثم قرأ هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ إلى آخرها.
ثم قال تعالى: وَاصْبِرْ نفسك يا محمد على التوحيد، ولا تركن إلى الظلمة، وَاصْبِرْ على مَا أَصَابَكَ ويقال: وَاصْبِرْ أي أقم على هذه الصلوات الخمس، حتى لا تترك منها شيئاً، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يعني: ثواب الموحِّدين المخلصين. ويقال:
المقيمين على الصّلوات.
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٦ الى ١١٧]
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)
(٢) حديث سلمان. عزاه السيوطي ٤/ ٤٨٤ إلى الطيالسي وأحمد والدارمي وابن جرير والطبراني والبغوي في معجمه وابن مردويه.