لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف: ١١١]. ويقال: ينزل عليك جبريل بأحكم الخبر، بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يقول: بالذي أوحينا إليك. هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ عن خبر يوسف، لم تعلمه.
قوله تعالى: إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ- أي نقصّ عليك إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ويقال: معناه، واذكر إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ «١» - قرأ ابن عامر: يَا أَبَتِ بنصب التاء في جميع القرآن، لأن أصلها يا أبتاه. وقرأ الباقون بالكسر لأجل الإضافة. إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يعني: رأيت في المنام أحد عشر كوكبا نزلت من السماء، والشمس والقمر نزلا من السماء يسجدون لي. وروي عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: «الكواكب إخوته، والشمس والقمر أبواه» «٢». وقال معمر: قال بعض أهل العلم:
«أبوه وخالته». وفي رواية الكلبي: قال «رؤياه كانت ليلة القدر، في ليلة جمعة».
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥ الى ٦]
قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
قال تعالى: قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فلمّا قصّها على أبيه انتهره وزجره، وقال ليوسف في السر: إذا رأيت رؤيا بعد هذا، فلا تقصها على إخوتك فذلك قوله تعالى: فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً يعني: يعملوا بك عملاً، ويحتالوا بك حيلة في هلاكك. فإن قيل قوله: رَأَيْتُهُمْ هذا اللفظ يستعمل في العقلاء ولا يستعمل في غير العقلاء، يقال: رأيتها ورأيتهن، فكيف قال هاهنا: رَأَيْتُهُمْ؟ قيل له: لأنه حكى عنها الفعل الذي يكون من العقلاء، وهي السجدة. فذكر باللفظ الذي يوصف به العقلاء. إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة. قرأ أبو جعفر القارئ المدني، أَحَدَ عَشَرَ بجزم الدال، وقراءة العامة أَحَدَ عَشَرَ بالنصب. قال أبو عبيدة: هكذا تقرؤها، لأنها أعرف اللغتين، والناس عليها.
ثم قال: وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يقول: يصطفيك ويختارك بالنبوة. ويقال: بالحسن والجمال والمحبة في القلوب. وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يعني: من تعبير الرؤيا. ويقال:
هي الكتب المنزلة. ويقال: عواقب الأمور، يعني: يفهمك وَيُعَلّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ حتى تكون عالماً بعواقبها وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ يعني: يثبتك على الإسلام، ويقال: بالنبوة والإسلام وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ يعني: إخوة يوسف كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وأكرمهما بالنبوة، وثبتهما على الإسلام.

(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ».
(٢) عزاه السيوطي: ٤/ ٤٩٩ إلى عبد الرزاق وابن جرير.


الصفحة التالية
Icon