أعظمن شأنه، وتحيرن، وبقين مدهوشات طائرة عقولهن، وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يقول: حززن، وخدشن أيديهن بالسكين، ولم يشعرن بذلك وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ يعني: معاذ الله مَا هذا بَشَراً قرأ بعضهم: بالرفع. ما هذا بشر وقرأ بعضهم مَا هذا ببشر يعني: مثل هذا لا يكون بشراً. وقراءة العامة ما هذا بَشَراً بنصب الراء والتنوين، لأنه خبر «ما». ولأنه صار نصباً لنزع الخافض. ومعناه: مَا هذا بَشَراً يعني: مثل هذا لا يكون آدمياً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ يعني: على ربه. فإن قيل: إنهن لم يرين الملك، فكيف شبّهنه بشيء لم يرينه؟ قيل له: لأن المعروف عند الناس، أنهم إذا وصفوا أحداً بالحسن، يقولون: هذا يشبه الملك، كما أنهم إذا وصفوا أحداً بالقبح، يقولون: هو كالشيطان، وإن لم يروا الشيطان.
قرأ أبو عمرو حاشا لِلَّهِ بالألف. وقرأ الباقون: بغير ألف. وكذلك الذي بعده قالَتْ زليخا للنسوة فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ يقول: عذلتني فيه وعبتني فيه فهل عذرتنني؟ فقلن لها:
أنت معذورة. قالت: وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ يعني: طلبت إليه أن يمكنني من نفسه فَاسْتَعْصَمَ أي: فامتنع بنفسه مني وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ يعني: احبسه في السجن وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ يعني: من المهانين بالسجن. ويقال: من المذلين. وقرأ بعضهم لَيَكُونُنَّ بتشديد النون، وهذا خلاف مصحف الإمام. وقراءة العامة: وَلَيَكُوناً لأن النون الخفيفة تبدل منها في الوقف بالألف.
قالَ يوسف رَبِّ يقول: يا سيدي السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي النسوة إِلَيْهِ من العمل القبيح. قرأ بعضهم قالَ رَبِّ السِّجْنُ بنصب السين على معنى المصدر.
يقال: سجنته سَجْناً وهي قراءة شاذة. وقراءة العامة بالكسر يعني: نزول بيت السجن أحب إلى مما يدعونني إليه، يعني به: امرأة العزيز خاصة. ويقال: أراد به النسوة اللاتي حضرن هناك، لأنهن قلن له: أطع مولاتك ولا تخالفها، فإن لها عليك حقاً. وقد اشترتك بمالها وهي تحسن إليك، وتحبك، وتطلب هواك. فقال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ وقال بعض الحكماء: لو أنه قال: رب العافية أحَبُّ إليّ، لعافاه الله تعالى. ولكن لما نجا بدينه، لم يبال بما أصابه في الله.
ثم قال: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ يعني: إذا لم تصرف عني عملهن وشرهن أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أي: أمل إليهن وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني: من المذنبين.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)
قوله تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فيما دعاه يوسف فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ يعني: فعلهن، وشرهن. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع لمن دعاه. ويقال: السَّمِيعُ للدعاء فيما دعاه يوسف الْعَلِيمُ به.