إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يعني: مائلة إلى الشهوات إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي أي: إلا من عصمه الله تعالى من المعصية إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ للهم الذي هممت به رَحِيمٌ حين تاب وعصمني وغفر لي
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٤ الى ٦٠]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠)
قوله تعالى: وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي يعني: أجعله في خاصة نفسي.
فلما خرج يوسف من السجن، ودّع أهل السجن، ودعا لهم وقال: اللهم اعطف قلوب الصالحين عليهم، ولا تستر الأخبار عليهم. فمن ثم تقع الأخبار عند أهل السجن، قبل أن تقع عند عامة الناس. ولما دخل يوسف على الملك وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً، فأجابه يوسف بذلك كله. ثم تكلم يوسف بالعبرانية، فلم يحسنها الملك، فقال: ما هذا اللسان يا يوسف؟
قال: هذا لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
ثم كلمه بالعربية، فلم يحسنها الملك، فقال: ما هذا اللسان؟ فقال: لسان عمي إسماعيل فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ في المنزلة أَمِينٌ على ما وكلتك. قَالَ له يوسف عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ يعني: على خراج مصر إِنِّي حَفِيظٌ للتدبير.
ويقال: حَفِيظٌ بما وكلت به عَلِيمٌ بجميع الألسن. ويقال: عَلِيمٌ بأخذها ووضعها مواضعها. وإنما سأل ذلك صلاحاً للخلق، لأنه علم أنه ليس أحد يقوم بإصلاح ذلك الأمر مثله. ويقال: حَفِيظٌ عَلِيمٌ يعني: عليماً بساعة الجوع. وكان الملك يأكل في كل يوم نصف النهار. فلما كانت الليلة التي قضى الله بالقحط فيها، أمر يوسف بأن يتخذ طعام الملك بالليل، فلما أصبح الملك قال: الجوع الجوع. فأتي بطعام مهيئ، قال: وما يدريكم بذلك؟ قالوا:
أمرنا بذلك يوسف، ففوض الملك أموره كلها إلى يوسف، وهو قوله تعالى: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ يعني: صنعنا ليوسف فِي الْأَرْضِ يعني: أرض مصر يَتَبَوَّأُ مِنْها يعني: ينزل منها حَيْثُ يَشاءُ. قرأ ابن كثير حَيْثُ نَشاءُ بالنون يعني: حيث يشاء الله. وقرأ الباقون:
بالياء حَيْثُ يَشاءُ يوسف نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ نختص بنعمتنا: النبوة، والإسلام، والنجاة من نشاء وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يعني: لا نبطل ثواب الموحدين، حتى نوفيّه جزاءه في الدنيا، ومع ذلك له ثواب في الآخرة، فذلك قوله تعالى: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ


الصفحة التالية
Icon