وَقالَ يعني: يوسف عند ذلك يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ يعني: هذا السجود تحقيق رؤياي من قبله قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا يعني: جعل رؤياي صدقاً. ويقال: كائناً. وروي عن ابن عباس أنه قال: «كان بين رؤياه وبين ذلك: اثنان وعشرون سنة». وروى أبو عثمان النهدي، عن سلمان أنه قال: «كان بين رؤياه، وبين أن رأى تأويلها، أربعون سنة». وعن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: «وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة، وإليه ينتهي الرؤيا».
وقال السدي: «كان بينهما تسع وثلاثون سنة». وقال: حين رأى رؤياه: كان يوسف ابن تسع سنين، فظهر تأويلها وهو ابن أربعين سنة.
ثم قال تعالى: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يعني: جاء بكم معافين سالمين من البادية. يعني: أرض كنعان ومِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ يعني: من بعد أن أفسد وألقى الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ من الفرقة، والجماعة.
ويقال: لَطِيفٌ في فعاله، إن يشأ فرق، وإن يشأ جمع إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بما صنعوا الْحَكِيمُ إذ رد عَليّ أبي، وجمع بيني وبين إخوتي.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠١]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)
قوله تعالى: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ قال الفقيه أبو الليث رَّحْمَةِ الله: إِنَّ الله تعالى مدح يوسف في هذه السورة، في ثمانية مواضع. أولها: أن أخوته لما فعلوا به ما فعلوا، صرف العداوة من إخوته إلى الشيطان. فقال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي والثاني:
حين راودته المرأة، قال: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ فعرف حرمة سيده، ولم يهتك حرمته.
الثالث: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فاختار السجن على الشهوة الحرام.
والرابع: قال: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ بعد ما ظهر أن الذنب كان من غيره.
والخامس: لما اعتذر إليه إخوته، قال لهم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ والسادس: أنه بعث القميص على يد إخوته كما أدخلوا على أبيهم الحزن في الابتداء، أراد أن يدخلوا عليه السرور، فقال: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا والسابع: لما لقي أباه، لم يذكر عنده ما لقي من الشدة، وإنما ذكر المحاسن حيث قال: يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ. والثامن: لما تمّ أمره، تمنى الموت وترك الدنيا، قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ أي: أعطيتني من الملك. يعني: بعض الملك، وهو ملك مصر وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يعني: بعض التأويل. ويقال: مِنَ هاهنا لإبانة الجنس، لا للتبعيض. ومعناه رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يعني:
تعبير الرؤيا فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: خالق السموات والأرض أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ