منه. ويقال: لكل أجل وقت قد كتب فيه. وقال الفراء: هذا مقدم ومؤخر أي: لكل كتاب أجل مثل قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: ١٩] أي: سكرة الحق بالموت، وكذلك قال ابن عباس.
ثمّ قال تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ روى شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن قريشاً لما نزلت هذه الآية وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [الرعد: ٣٨] قالوا: ما نراك يا محمد تملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر، فنزلت هذه الآية تخويفاً، ووعيداً لهم. فإنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما نشاء، فيمحو الله مَا يَشَآءُ، وَيُثْبِتُ ما يشاء من أرزاق العباد، ومصايبهم فيما يعطيهم وبما يرزقهم ويقسم لهم «١». وروى وكيع عن الأعمش، عن أبي وائل إنه كان يقول في دعائه: «اللَّهم إن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، وإن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء. فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت ما تشاء، وعندك أم الكتاب».
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ «إلا الشقاوة والسعادة والموت والحياة» «٢». وروى منصور عن مجاهد أنه قال: «الشقاوة والسعادة لا يتغيران». ويقال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ يعني: من أعمال بني آدم، وما كتبت الحفظة ما ليس فيه جزاء خير ولا شر وَيُثْبِتُ ما فيه جزاء خير أو شر. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «إن الحفظة إذا رفعت ديوان العبد، فإن كان في أوله وآخره خير، يمحو الله ما بينهما من السيئات، وإن لم يكن في أوله وآخره حسنات، يثبت ما فيه من السيئات». وقال مقاتل:
يَمْحُوا اللَّهُ يعني: ينسخ الله ما يشاء من القرآن، وَيُثْبِتُ يقول: ويقر المحكم الناسخ ما يشاء فلا ينسخه. ويقال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ يعني: المعرفة عن قلب من يشاء وَيُثْبِتُ في قلب من يشاء. وهو مثل قوله: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ [الرعد: ٢٧]- وفي آية أخرى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ أي يمحو من الشرائع والكتب الممحوّة: التوراة، والإنجيل والزبور، والمثبت هو القرآن الذي أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا القول هو المختار «٣» - ويقال:
يقضي على العبد البلاء، فيدعو العبد، فيزول عنه كما روي في الخبر «الدُّعَاءُ يَرُدُّ البَلاَءَ».
ثم قال تعالى: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ يعني: أصل الكتاب وجملته، وهو اللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء قبل أن يخلقهم.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
وَإِنْ مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)
(٢) عزاه السيوطي: ٤/ ٦٥٩ إلى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.
(٣) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ».