قال: كنا عند عبد الله بن عمر فقلنا: أن عبد الله بن مسعود كان يقول: «إن الرجل ليعرق حتى يسبح في عرقه، ثم يرفعه العرق حتى يلجمه. فقال ابن عمر: هذا للكفار، فما للمؤمنين؟ فقلنا:
الله أعلم. فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، حدثكم أول الحديث، ولم يحدثكم آخره، إن للمؤمنين كراسي يجلسون عليها، ويظلل عليهم بالغمام، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار».
ثم قال تعالى: وَخافَ وَعِيدِ أي: وخشي عذابي عليه. قرأ نافع في رواية ورش:
وخاف وعيدي بالياء يعني: خاف عذاب الله. وقرأ الباقون: بغير ياء، لأن الكسرة تقوم مقامه، وأصله الياء.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٥ الى ١٧]
وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)
ثم قال تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا يقول: واستنصروا. قال قتادة: استنصرت الرسل على قومهم، وقال مقاتل: يعني، قومهم دعوا الله فقالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا.
ويقال: استنصر كلا الفريقين وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يقول: خسر عند الدعاء كُلّ مُتَكَبّرٍ عن الإيمان، معرض عن التوحيد. وقال الزجاج: الجبار، الذي لا يرى لأحد عليه حقا، والعنيد:
الذي يعدل عن القصد. ويقال: الجبار الذي يضرب عند الغضب، ويقتل عند الغضب. وقال مجاهد: كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي: المعاند للحق مجانبه. ويقال: هذه الآية نزلت في أبي جهل.
قوله تعالى: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ يقول: من قدامه جهنم، يعني: بعد الموت. ويقال: من بعده جهنم. ويقال: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ يعني: أمامه. كقوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [الكهف: ٧٩] يعني: أمامهم.
ثم قال: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يعني: بماء يسيل من جلودهم من القيح والدم.
ويقال: ماء كهيئة الصديد.
قوله تعالى: يَتَجَرَّعُهُ يعني: يردّه في حلقه وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ يقول ولا يقدر على ابتلاعه لكراهيته، وقال ابن عباس: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يعني: يجترّه من كل مكان من جسده. ويقال: من كل ناحية، ومن كل عرق، ومن كل موضع شعرة يجد طعم الموت وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، يعني: لا يموت أبداً وَمِنْ وَرائِهِ يعني: من بعد الصديد عَذابٌ غَلِيظٌ يعني: شديد لا يفتر عنه.