بالهدي والتوحيد لهديناكم لدينه، وأنا أمرناكم بأعمالنا التي كنا عليها. ويقال: معناه، لو أدخلنا الله الجنة، لشفعنا لكم.
ثم قالت القادة للسفلة سَواءٌ عَلَيْنا العذاب أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ يعني: من مفر ولا ملجأ من عذاب الله. وروى أسباط عن السدي أنه قال: يقول أهل النار:
تعالوا فلنصبر، لعلّ الله يرحمنا بصبرنا، فيصبرون، فلا يرحمون. فيقولون: تعالوا فلنجزع، لعل الله يرحمنا بجزعنا فيجزعون، فلا يغني عنهم شيئاً، فيقولون: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٢]
وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَّآ أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)
قوله تعالى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ روى سفيان، عن رجل، عن الحسن أنه قال: إذا كان يوم القيامة، ودخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، قام إبليس خطيباً على منبر من نار، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ. ويقال: إنهم لما دخلوا النار، أقبلوا على إبليس، وجعلوا يتهمونه ويلومونه ويقولون: أنت الذي أضللتنا، فيرد عليهم إبليس عليه اللعنة، فبيّن الله تعالى ردّه عليهم لكيلا يغتروا به في الدنيا، فذلك قوله: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ يعني: لما فرغ من الأمر حين دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فقال إبليس لأهل النار: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ يعني: البعث بعد الموت والجنة والنار وَوَعَدْتُكُمْ بأنه لا جنة، ولا نار، ولا بعث، ولا حساب فَأَخْلَفْتُكُمْ فكذبتكم الوعد وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني: لم يكن لي قدرة على الإكراه والقهر. ويقال: لم أكن ملكاً فقهرتكم على عبادتي. ويقال: لم يكن لي حجة على ما قلت لكم إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ يعني:
سوى أن دعوتكم إلى طاعتي فَاسْتَجَبْتُمْ لِي يعني: أجبتم لي طوعا واختيارا فَلا تَلُومُونِي بدعوتي إياكم وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ بالإجابة مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أي: بمغيثكم فأخرجكم من النار وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ يقول: ولا أنتم بمغيثيّ، فتخرجونني من النار. إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ قال الكلبي: فيه تقديم وتأخير. يقول: إني كفرت من قبل ما عبدتموني به وكنت كافراً قبل ذلك، فليس لكم عندي صراخ، ولا إجابة. وقال مقاتل: معناه إني تبرأت اليوم بما أشركتموني مع الله في طاعتي مِن قَبْلُ في الدنيا. وقال القتبي: في قوله: إِنِّي كَفَرْتُ، أي تبرأت كقوله في سورة الممتحنة: كَفَرْنا بِكُمْ [الممتحنة: ٤] أي: تبرأنا منكم. وكذلك في العنكبوت: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ [العنكبوت: ٢٥] يعني: يتبرأ بعضكم من بعض. وهذا موافق لقوله تعالى: يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر: ١٤].


الصفحة التالية
Icon