قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ قرأ حمزة وعاصم وابن عامر:
وَلا تَحْسَبَنَّ بنصب السين، وقرأ الباقون: بالكسر، ومعناهما واحد. يعني: لا تظنّن يا محمد أن الله غافل عما يعمل الظالمون، أي: المشركين. يعني: إن أعمالهم لا تخفى عليّ، ولو شئت لعجلت عقوبتهم في الدنيا. قال ميمون بن مهران: هذه الآية تعزية للمظلوم ووعيد الظالم إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ يعني: يمهلهم ويؤجلهم. قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين نُؤخِرهُمْ بالنون وقرأ الباقون: بالياء. لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ يعني: تشخص فيه أبصار الكافرين. وذلك حين عاينوا النار شخصت فيه أبصارهم فلا يطرفون فيها.
مُهْطِعِينَ أي: مسرعين، يقال: أهطع البعير في السير، إذا أسرع. ويقال: مُهْطِعِينَ أي ناظرين قاصدين نحو الداعي. وقال قتادة: مُهْطِعِينَ أي: مسرعين مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ المقنع الذي يرفع رأسه شاخصا بصره، لا يطرف. وقال مجاهد: مُهْطِعِينَ مديمي النظر، مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ، رافعي رؤوسهم. وقال الخليل بن أحمد: المهطع الذي قد أقبل إلى الشيء ينظره، ولا يرفع عينيه عنه مُقْنِعِي يعني: رافعي رؤوسهم، مادي أعناقهم لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ يعني: لا يرجع إلى الكفار بصرهم وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ يعني: خالية من كل خير، كالهواء ما بين السماء والأرض. وقال السدي: هوت أَفْئِدَتُهُمْ بين موضعها وبين الحنجرة، فلم ترجع إلى موضعها. ولم تخرج كقوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ [غافر: ١٨] وهكذا قال مقاتل، وقال أبو عبيدة: هَواءٌ أي مجوفة لا عقول فيها.
ثم قال: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يعني: خوف أهل مكة يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ في الآخرة.
قوله تعالى: فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: أشركوا رَبَّنا أَخِّرْنا يعني: أجلنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ لنرجع إلى الدنيا نُجِبْ دَعْوَتَكَ يعني: الإسلام وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ على دينهم. يقول الله تعالى: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ يقول: حلَفْتُم وأنتم في الدنيا من قبل هذا اليوم مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ أي: لا تزولون عن الدنيا، ولا تبعثون.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧)
قوله تعالى: وَسَكَنْتُمْ يقول: نزلتم فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي أشركوا، يعني: منازل قوم عاد وثمود وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ يقول: كيف عاقبناهم عند التكذيب وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ يقول: بيّنا ووصفنا لكم عصيانهم وجحودهم، والعذاب الذي نزل بهم.
يعني: إنكم سمعتم هذا كله في الدنيا فلم تعتبروا. فلو رجعتم بعد هذا اليوم، لا تنفعكم الموعظة أيضاً.