ثم قال تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ يعني علم الله مكرهم، وقد: صنعوا صنيعهم، يعني: الأمم الخالية وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ يعني: علم الله مكرهم، ولا يخفى عليه. قال علي بن أبي طالب: وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ «أي التابوت، والنسور، وهو نمرود بن كنعان وقومه». وروى وكيع بإسناده عن عليّ رضي الله عنه قال: «إن جباراً من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى أعلم ما في السماء، يعني: نمرود، فاتخذ فراخ نسور، ثم أمر بها فأطعمت اللحم حتى اشتدت وغلظت واستفحلت، وأخذ تابوتاً يسع فيه رجلان، ثم أمر بالنسور فجوعت، ثم ربط أرجلها بالأوتاد، وشدت بقوائم التابوت، وجعل في وسط التابوت اللحم، ثم جلس في التابوت هو ورجل معه، ثم أرسل النسور وجعل اللحم على رأس خشبة على التابوت، فطارت النسور إلى السماء ما شاء الله. ثم قال لصاحبه: انظر ماذا ترى؟ فنظر فقال: أرى الجبال كأنها ذباب، ثم طارت ما شاء الله، ثم قال: انظر ماذا ترى، فنظر فقال: ما أرى إلا السماء، وما تزداد منها إلا بعداً. قال:
نكّس الخشبة، فنكسها فانقضت النسور حتى سقطت على الأرض، فسمع هزته الجبال، فكادت تزول عن أماكنها». ثم قرأ عليّ رضي الله عنه وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ أي: وقد كاد مكرهم ليزيل الجبال عن أماكنها. ويقال: إن نمرود بن كنعان هو أول من تجبر وقهر وسن سنن السوء، وأول من لبس التاج، فأهلكه الله تعالى ببعوضة دخلت في خياشمه، فعذب بها أربعين يوماً ثم مات. وقال قتادة: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ يعني: الكفار حين ادعوا لله تعالى ولداً، فكاد أن تزول الجبال. ويقال: أهل مكة مكروا في دار الندوة، وقد كاد مكرهم أن يزول منه أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأمر دين الإسلام. إذ ثبوته كثبوت الجبال، لأن الله تعالى وعد نبيّه صلّى الله عليه وسلّم إظهار دين الإسلام، بدليل ما قال بعد هذا فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ قرأ الكسائي لِتَزُولَ بنصب اللام الأُولى، ورفع الثانية. وقرأ الباقون: بكسر اللام الأولى، ونصب الثانية ومعناه: ما كان مكرهم ليزول به أمر دين الإسلام، إذ ثبوته كثبوت الجبال. ومن قرأ لَيَزُولُ فمعناه: وإن كان مكرهم يعني: مكر الكفار ليبلغ إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه. وروي عن ابن مسعود أن قرأ وإن كاد مَكْرِهِمْ.
قوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ يعني: في نزول العذاب بكفار مكة، إن شاء عجل لهم العقوبة في الدنيا. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ ذو انتقام للكفار.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)