سورة النحل
مكية وهي مائة وعشرون وثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أخبرنا الثقة بإسناده عن الشعبي قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة إلّا هذه الآية وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ الآية وقال ابن عباس: سورة النحل كلها مكية، إلّا أربع آيات نزلت بالمدينة: قوله: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وقوله: إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا. وقوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا وقوله: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ إلى آخرها «١».
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣)قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ أي يوم القيامة. ويقال: يعني، العذاب. كقوله: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ [هود: ٤٠] وقوله: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً [يونس: ٢٤] أي: أتى أمر الله، بمعنى: يأتي، أي: هو قريب لأن ما هو آتٍ آتٍ، وهذا وعيد لهم إنها كائنة. وقال ابن عباس:
لما نزلت هذه الآية اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [الأنبياء: ١] ثم نزل بعدها اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر:
١] قالوا: يا محمد تزعم أن الساعة قد اقتربت ولا نرى من ذلك شيئاً، فنزل أَتى أَمْرُ اللَّهِ أي:
عذاب الله، فوثب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائماً لا يشك أن العذاب قد أتاهم، فقال لهم جبريل: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ قال: فجلس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد قيامه، ثم قال: سُبْحانَهُ نزه نفسه عن الولد، والشريك. ويقال: ارتفع، وتعاظم عن صفة أهل الكفر، فقال عز وجل: وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ به من الأوثان. قرأ حمزة والكسائي تُشْرِكُونَ بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ الباقون: بالياء بلفظ المغايبة، وكذلك ما بعده.
ثم قال: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ أي: جبريل بِالرُّوحِ أي: بالوحي وبالنبوة والقرآن مِنْ أَمْرِهِ أي: بأمره. قال القتبي: مِنْ توضع موضع الباء كقوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:
١١] أي: بأمر الله. وقال هاهنا: يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ أي: بأمره عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
(١) عزاه السيوطي: ٥/ ١٠٧ إلى ابن مردويه. [.....]