قوله عز وجل: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها أي: إنّ ناقض العهد يزل عن الطاعة، كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة وَتَذُوقُوا السُّوءَ أي: تتجرعوا العقوبة بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: صرفتم الناس عن دين الله وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أي:
شديد في الآخرة.
وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أي: لا تختاروا على عهد الله، والحلف به عرضاً يسيراً من الدنيا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ في الآخرة من الثواب الدائم هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي: ثواب الجنة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَن الآخرة خير من الدنيا. ويقال: إن كنتم تصدقون بثوابه. قال الكلبي: نزلت الآية في رجل من حضر موت يقال له: عبدان بن الأشوع. قال: يا رسول الله إنّ امرأ القيس الكندي جاورني في الأرض، فاقتطع أرضي فذهب بها وغلبني عليها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أَيَشْهَدُ لَكَ أَحَدٌ عَلَى ما تَقُولُ» ؟ قال: يا رسول الله إِنَّ القوم كلهم يعلمون أنِّي صادق فيما أقول، ولكنه أكرم عليهم مني عليهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لامرئ القيس «مَا يَقُولُ صَاحِبُكَ» ؟
قال: الباطل والكذب. فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يحلف. فقال عبدان: إنه لفاجر وما يبالي أن يحلف. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ شهود فخذ يمينه س فقال عبدان: وما لِي يا رسول الله ألا يمينه؟ فقال: «لا» فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحلف. فلما قام ليحلف، أخره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال له: «انْصَرِفْ»، فانصرف من عنده. فنزلت هذه الآية وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إلى قوله: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ أي: ما عندكم من أمر الدنيا يفنى وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ أي: ثواب الله في الجنة دائم لأَهلها وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا عن اليمين وأقروا بالحق.
ويقال: الذين صبروا على الإيمان، وأقروا بالحق أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ يعني:
بالإحسان الذي كانوا يعملون في الدنيا. ويقال: يجزيهم بأحسن أعمالهم، ويبقى سائر الأعمال فضلاً. قال الكلبي: فلما نزلت هاتان الآيتان، قال امرؤ القيس: أَمَّا ما عندي فينفد، وأمَّا صاحبي فيجزى بأَحسن ما كان يعمل. اللَّهم إنه صادق فيما قال، لقد اقتطعت أرضه، والله ما أدري كم هي، ولكنه يأخذ ما يشاء من أرضي ومثلها معها بما أكلت من ثمارها، فنزلت: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ أي: لا يقبل العمل منه ما لم يكن مؤمناً، فإذا كان مؤمناً وعمل صالحا، يقبل منه.
وقال: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً في الجنة. ويقال: يجعل حياته في طاعة الله. ويقال:
فلنقنعنّه باليسير من الدنيا. وروي عن ابن عباس أنه قال: «الكسب الطيب، والعمل الصالح».
وعن عليّ قال: «القناعة». وقال الحسن: «لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة». وقال الضحاك: «الرزق الحلال، وعبادة الله تعالى».
ثم قال: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ أي: ثوابهم بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ أي: ليثيبهم