وَأمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَنْزِهُ عن البَوْلِ». ثم أخذ جريدتين من شجر، وغرس إحداهما في قبر والأُخرى في قبر الآخر، فقال: «لَعَلَّهُمَا لا يُعَذَّبَانِ ما دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ» «١». قال الحكماء: الحكمة في ذلك، أنهما ما دامتا رطبتين تسبحان الله تعالى، ويقال: معناه ما من شيء إلا يسبح بحمده، ويقال: معناه وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ يدل على وحدانية الله تعالى، ويسبحه، فإنّ الله خالقه. وَلكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، يعني: أثر صنعه فيهم، هذا بعيد، وهو خلاف أقاويل المفسرين، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً، حيث لم يجعل العقوبة لمن اتخذ معه آلهة، غَفُوراً لمن تاب منهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)
قوله عز وجل: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، يعني: إذا أخذت في قراءة القرآن. جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً قال بعضهم: الحجاب المستور، هو أن يمنعهم عن الوصول إليه، كما روي أن امرأة أبي لهب جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان عنده أبو بكر، فدخلت فقالت لأبي بكر: هجاني صاحبك. قال أبو بكر: والله هو ما ينطق بالشعر ولا يقوله.
فرجعت، فقال أبو بكر: أما رأتك يا رسول الله؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لَمْ يَزَلْ بَيْنِي وَبَيْنَها مَلَكٌ يَسْتُرُنِي عَنْهَا حَتَّى رَجَعَتْ» «٢». وقال قتادة: الحجاب المستور هو الأكنة. وقال مقاتل: الحجاب المستور هو قوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: جعلنا أعمالهم على قلوبهم أغطية حتى لا يرغبوا في الحق، ويقال: جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني: الجن والشياطين حِجاباً مَسْتُوراً فلا يصلون إليك. وقال الكلبي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تلا القرآن، ستره الله وحجبه عن المشركين بثلاث آيات، إذا قرأهن حجب عنهم. إحداهن: في سورة الكهف:
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً [الكهف: ٥٧] والآية الثانية في النحل: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [النحل: ١٠٨] والثالثة في حم الجاثية: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣] الآية.
قوله تعالى: وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، أي صمماً وثقلاً لا يسمعون الحق. قرأ ابن كثير

(١) حديث ابن عباس: أخرجه البخاري (٢١٨) (١٣٧٨) و (٦٠٥٢) ومسلم (٢٩٢) والترمذي (٧٠) والنسائي ١/ ٢٩- ٣٠ وأبو داود (٢٠) وأحمد ١/ ٢٢٥ والبيهقي: ٢/ ٤١٢ والبغوي (١٨٣).
(٢) عزاه السيوطي: ٥/ ٢٩٥ إلى أبي يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي و ٥/ ٢٩٦ إلى ابن مردويه عن أبي بكر.


الصفحة التالية
Icon