وقال عز وجل: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ، أي حفظنا قلوبهم على الإيمان: وقيل:
ألهمناهم الصبر حتى ثبتوا على دينهم. إِذْ قامُوا من نومهم: ويقال: قاموا بإثبات الحجة، ويقال: خرجوا من عند الملك. فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، أي لم نقل من دون الله ربا وإن فعلنا لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً، أي كذباً وجوراً. ويقال:
شَطَطاً، أي علواً، يقال: قد أشط إذا علا في القول، أي جاوز الحد. هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا، أي عبدوا. مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ، يعني: هلا يأتون بحجة بينة على عبادة آلهتهم. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى، أي اختلق عَلَى اللَّهِ كَذِباً أن له شريكاً.
ثم قال: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ، يقول بعضهم لبعض: لو تركتموهم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ يعني: لو تركتم ما يعبدون فلا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله. ويقال: لو اعتزلتم عبادتهم إلا الله، يعني:
قولهم: الله خالقنا، ويقال: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ هذا قولهم، ثم قال حكاية عن قولهم، فقالَ:
وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ يعني: أَصحاب الكهف. فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، أي فارجعوا إلى الكهف، ويقال: فادخلوا الكهف. يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، أي يهب لكم ربكم من نعمته، ويقال: يبسط لكم من رزقه. وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً، أي يجعل لكم من أَمركم الذي وقعتم فيه ما يرفق بكم ويصلحكم ويقال: مخرجا ونجاة ورزقا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
قوله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ، أي تميل وتنحرف عن كهفهم. ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ، أي تجاوزهم. ويقال: تتركهم وتمر بهم، وأصل القرض: القطع، ومنه سمي المقراض. ذاتَ الشِّمالِ، أي شمال الكهف. وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ، أي في ناحية من الغار، ويقال: في متسع منه. فأخبر أنه بوأهم كهفاً مستقبلاً بنات نعش، والشمس تميل عنه وتستدير طالعة وغاربة، ولا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرّها، ولا يحلفهم سمومها فيغير ألوانهم وتبلى أبدانهم، وكانوا في متسع منه ينالهم نسيم الريح، وينفي عنهم غمة الغار، والغمة: الهواء العفن، ويجوز الرفع النصب فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ الغار وكربه.
قوله: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ، أي: ذلك الخبر والذكر، ويقال: ذلك الذي فعل بهم واختار لهم المكان الموافق من عجائب الله ولطفه وكرمه. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، أي من يوفقه الله للهدى فهو المهتدي. وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً، أي موفقاً يرشده إلى


الصفحة التالية
Icon