والزهرة. كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ، وهو المطر. فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ، أي اختلط الماء بالنبات، لأن الماء إذا دخل في الأرض ينبت به النبات، فكأنه اختلط به، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ. وفي الآية مضمر، ومعناه: فاختلط الماء بنبات الأرض فنبت وحسن، حتى إذا بلغ أرسل الله آفة فأيبسته فصار هشيماً، أي صار يابساً متكسراً بعد حسنه. قال القتبي: وأَصْلُهُ من هشمت الشيء إذا كسرته، ومنه سمي الرجل هاشماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ، أَي ذرته الرياح كالرماد ولم يبق منه شيء، فكذلك الدنيا في فنائها وزوالها تهلك إذا جاءت الآخرة وما فيها من الزهرة. وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً، أي قادراً من البعث وغيره. قرأ حمزة والكسائي:
الريح بلفظ الوحدان، وقرأ الباقون الرِّياحُ بلفظ الجماعة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨)
قوله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا، أي غروراً لا يبقى كما لا يبقى الهشيم حين ذرته الريح، وإنما يبقى في الآخرة. وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ، أي الصلوات الخمس، هكذا روي عن أبي الهيثم ومسروق. وقال مسروق: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ هي الخمس صلوات، وهي الحسنات يذهبن السيئات، وكذلك قال ابن أبي مليكة. وروى سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد في قوله وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ قال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ وَقَالَ خُذُوا جُنَّتكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ، قَالَ: لاَ بَلْ مِنَ النَّارِ. قَالُوا: وَمَا جُنَّتُنَا مِنَ النَّارِ؟ قال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أَكْبَرُ». ويقال: كل طاعة يبقى ثوابها، فهي الباقيات الصالحات:
الصلاة، والصدقة، والتسبيح، وجميع الطاعات. خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا، أي خير من هذه الزينة والغرور عند الله تعالى، وخير ما يثبت الله العبد، وَخَيْرٌ أَمَلًا أي خير ما يوصل العبد الصلاة والتسبيح، أي: أفضل رجاء مما يرجو الكافر، لأن ثواب الكافر النار ومرجعه إلى النار.
وقال تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ، أي نزيلها عن وجه الأرض ونسيرها كما نسير السحاب كقوله: وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل: ٨٨]. وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً، أي ظاهرة من تحت الجبال، ويقال: بارِزَةً أي خالية مما فيها من الكنوز والأموات، كما قال: وَأَلْقَتْ مَا فِيها وَتَخَلَّتْ [الانشقاق: ٤]. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وَيَوْمَ تسيّر الجبال بالتاء مع الضمة ونصب الياء وضم اللام، على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون: نُسَيِّرُ بالنون ونصب اللام، كما قال: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً، أي لم نترك منهم أحداً ولا