[سورة مريم (١٩) : الآيات ١١ الى ١٥]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ، يعني: من المسجد. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ، يعني: أشار وأومأ إليهم، ويقال: كتب كتاباً وألقاه على الأرض ولم يقدر أن يتكلم به. أَنْ سَبِّحُوا، يعني: صلوا لله تعالى بُكْرَةً وَعَشِيًّا، يعني: غدوة وعشياً. فعرف عند ذلك أنه آية الولد.
قوله عز وجل: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ، يعني: أوحى الله تعالى إليه أن: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ، يعني: بجد ومواظبة وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، يعني: أجرينا الحكم على لسانه في حال صغره، وذلك أنه مرّ بصبيان يلعبون، فقالوا له: تعال حتى نلعب. فقال لهم: ما للعب خلقنا. ويقال: خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ، أي بجدّ وعون من الله تعالى، ويقال بكثرة الدرس.
آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، يعني: النبوة والفقه والخير كله في صغره وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا، يعني:
آتيناه رحمة من عندنا، وأصله: من حنين الناقة على ولدها وَزَكاةً، يعني: وصدقة منا، ويقال: التطهير، ويقال: صلاحاً في دينه. وقال سعيد بن جبير: الزكاة التزكية. وَكانَ تَقِيًّا، يعني: مطيعاً لربه، وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
، يعني: مطيعاً لهما ولا يعصيهما. وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً
، يعني: لم يكن قتّالاً، والجبار الذي يقتل على الغضب، ويضرب على الغضب عَصِيًّا
، يعني: لم يكن عصياً لربه، والعصيّ والعاصي واحد.
قوله عز وجل: وَسَلامٌ عَلَيْهِ
، أي السلام من الله عز وجل والسعادة تناله يَوْمَ وُلِدَ
، أي حين ولد وَيَوْمَ يَمُوتُ
، يعني: حين يموت وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
، أي: حين يبعث حياً.
وروى قتادة عن الحسن أن يحيى عليه السلام قال لعيسى عليه السلام حين التقيا: أنت خير مني. فقال عيسى صلوات الله عليه: بل أنت خير مني، سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
وروي عن بعض الصحابة أنه قال: «ما من الناس أحد إلا وهو يلقى الله عز وجل يوم القيامة وهو ذو ذنب إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام» وروي عن الحسن، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما أَذْنَبَ يحيى ولا هم بامرأة» «١».
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)
(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٤٦٨ إلى عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.