إدريس لو أنا أخذنا من هذا الكرم فأكلنا. فقال إدريس: ما أرى صاحبه هاهنا فأشتريه منه وإني لأكره أن آخذ بغير ثمن. قال: فمضيا حتى مرا على غنم فقال: يا إدريس لو أخذنا من هذا الغنم شاة فأكلنا من لحمها، فقال له إدريس: إنك معي منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئا، فلو كنت آدمياً لطعمت، وإني لأدعوك إلى الحلال كل ليلة فتأبى علي، فكيف تدعوني إلى الحرام أن آخذه؟
فبصحبة ما بيني وبينك إلا أنبأتني من أنت؟ قال: إنك ستعلم. قال: أخبرني من أنت؟ قال: أنا ملك الموت. ففزع إدريس عليه السلام حين قال أنا ملك الموت.
قال: فإني أسألك حاجة. قال: ما هي؟ قال: أن تذيقني الموت- فإنه قد بلغني عنه شدة ولعلي أعلم ما شدته، فأكون له أشد استعدادا «١» -. قال ملك الموت عليه السلام: مالي من ذلك شيء وليس لك بد من أن تذوقه قال: فأوحى الله عَزَّ وَجَلَّ إلَى ملك الموت أن يقبض روحه ساعة ثم يرسله. قال: فقبض نفسه ساعة ثم أرسله، فقال: كيف رأيت؟ قال: لقد بلغني عنه شدة، فلقد كان أشد مما بلغني عنه.
قال: فإني أسألك حاجة أُخرى. قال: ما هي؟ قال: أحب أن تُريني النار. قال: ما لي من ذلك من شيء، ولكن سأطلب لك، فإن قدرت عليه فعلت. فسأل ربه، فأمره فبسط جناحه فحمله عليه، حتى صعد به إلى السماء، فانتهى به إلى باب من أبواب النار فدقه فقيل: من هذا؟
فقال: ملك الموت. فقال: مرحباً بأمين الله عز وجل، فهل أمرت فينا بشيء؟ فقال: لو أمرت فيكم بشيء لم أناظركم، ولكن هذا إدريس عليه السلام سألني أن أريه النار، فأحب أن تروها إياه. ففتح باب منها بشيء، فجاءت بأمر عظيم، فخرّ إدريس مغشياً عليه. فحمله ملك الموت وحبسه في ناحية حتى أفاق، فقال له ملك الموت: ما أحببت أن يصيبك هذا في صحبتي، ولكن سألتني فأحببت أن أسعفك.
قال: فإني أسألك حاجة أخرى لا أسألك غيرها. قال: ما هي؟ قال: أحب أن تريني الجنة. قال: ما لي من ذلك من شيء، ولكن سأطلب فإن قدرت عليه فعلت. فانطلق به إلى خزنة الجنة، فدق باباً من أبوابها فقيل: من هذا؟ فقال: أنا ملك الموت. فقالوا: مرحباً بأمين الله عز وجل، هل أمرت فينا بشيء؟ فقال: لو أمرت فيكم بشيء لم أناظركم، ولكن هذا إدريس سألني أن أريه الجنة فأحب أن تروها إياه. قال: ففتح له الباب، فدخل فنظر إلى شيء لم ينظر مثله قط، فطاف فيها ساعة ثم قال له ملك الموت: انطلق بنا فلنخرج. فانطلق إلى شجرة فتعلق بها ثم قال: والله لا أخرج حتى يكون الله عز وجل هو الذي يخرجني. فقال ملك الموت: إنه ليس حينها ولا زمانها، ولكن طلبت إليهم لترى، فانطلق بنا. فأبى عليه، فقيض الله له ملكاً من الملائكة فقال له ملك الموت: اجعل هذا الملك حكماً بيني وبينك قال: نعم. قال الملك: ما

(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «ب».


الصفحة التالية
Icon