نقض العهد إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يقول: من كان بينه وبين رسول الله عهد، فقد نقضه «١»، وذلك أن المشركين نقضوا عهودهم قبل الأجل، وأمر الله تعالى نبيه فيمن كان له عهد أربعة أشهر، أن يقره إلى أن يمضي أربعة أشهر، ومن كان عهده أكثر من ذلك أن يحطه إلى أربعة أشهر.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تبوك حين فرغ منها، فأراد الحج، ثم قال: «إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك». فأرسل أبا بكر وعلياً، فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يجتمعون بها، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر، وهي الأشهر الحرم، ثم لا عهد لهم «٢» فذلك قوله تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، يعني: فسيروا في الأرض أربعة أشهر آمنين غير خائفين، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ يعني: غير سابقي الله بأعمالكم، وغير فائتين بعد الأربعة الأشهر. ومعناه: إنكم وإن أجلتم هذه الأربعة الأشهر إنكم لن تفوتوا الله. وَأَنَّ اللَّهَ يعني: واعلموا أن الله مُخْزِي الْكافِرِينَ، يعني: مذل الكافرين. ويقال: معذب الكافرين في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣ الى ٤]
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)
ثم قال عز وجل: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، يعني: إعلام من الله ورسوله. وروي عن أبي هريرة أنه قال: «كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكة ببراءة، فقيل: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا ننادي إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فإن أجله وأمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج بعد العام مشرك».
ويقال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر ومعه عشر آيات، وأمره أن يقرأها على أهل مكة، ثم بعث عليّاً وأمره أن يقرأ هذه الآيات» ويقال: إنما أمر علياً بالقرآن، لأن أبا بكر كان خفيض الصوت وكان عليّ جهوري الصوت، فأراد أن يقرأ عليّ حتى يسمعوا جميعاً فذلك قوله تعالى:
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. وروي الأعمش، عن عبد الله بن
(٢) عزاه السيوطي ٤/ ١٢٢ إلى ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.