ثم قال عز وجل: جَنَّاتِ عَدْنٍ صار خفضاً، لأن معناه يدخلون في جَنَّاتِ عَدْنٍ.
الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ، يعني: ما غاب عن العباد والله عز وجل لا يغيب عنه شيء. إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، يعني: جائياً كائناً. وقال القتبي: مَأْتِيًّا يعني: المفعول بمعنى الفاعل، يعني: جائياً. وقال الزجاج: مَأْتِيًّا مفعول من الإتيان، لأن كل من وصل إليك فقد وصلت إليه، وكل من أتاك فقد أتيته.
ثم قال عز وجل: لاَّ يَسْمَعُونَ فِيها، يعني: في الجنة لَغْواً، يعني: حَلفاً وباطلاً.
إِلَّا سَلاماً، يعني: ويسمعون السلام، يسلم بعضهم على بعض. وقال الزجاج: اللغو ما يلغى من الكلام ويؤثم فيه، والسلام اسم جامع للخير، لأنه يتضمن السلامة، يعني: لا يسمعون إلا سلامهم.
ثمّ قال: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا، يعني: طعامهم على مقدار البكرة والعشي، وليس هناك بُكرة ولا عشيّ. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء أعجبهم ذلك، فأخبرهم الله تعالى أن لهم في الجنة هذه الحالة.
وقال القتبي: الناس يختلفون في طاعمهم، فمنهم من يأكل الوجبة، أي مرة واحدة في كل يوم، ومنهم من يأكل متى وجد بغير وقت ولا عدد، ومنهم من يأكل الغداء والعشاء، فأعدل هذه الأحوال كلها وأنفعها الغداء والعشاء. والعرب تقول: من ترك العشاء يهرمه، ويذهب بلحم الكارة، يعني: باطن الفخذ، فجعل طعام أهل الجنة على قدر ذلك.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
ثم قال عز وجل: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا أي ننزّل مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كانَ تَقِيًّا يعني: مطيعاً لله عز وجل.
قوله عز وجل: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ وذلك حين أبطأ عليه الوحي، وعند سؤال أهل مكة عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وأمر الروح، عاتب المصطفى جبريل عليه السلام، فقال الله تعالى: قُلْ يا جبريل لمحمد، ومعناه قل: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا من أمر الآخرة وَما خَلْفَنا من أمر الدنيا وَما بَيْنَ ذلِكَ أي ما بين النفختين وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا يعني: لم يكن ينساك ربك حيث لم يوح إليك، ويقال: مَا بَيْنَ أَيْدِينا يعني: أمر الآخرة والثواب والعقاب وَما خَلْفَنا جميع ما مضى من أمر الدنيا وَما بَيْنَ ذلِكَ ما يكون في هذا الوقت منا. وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا أي قد علم الله عز وجل ما كان وما يكون وما هو كائن حافظ لذلك، ويقال: ما نسيك ربك وإن تأخر عنك الوحي. وروي عن سعيد بن جبير


الصفحة التالية
Icon