عن ابن عباس أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لجبريل عليه السلام: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَر مِمّا تَزُورُنَا» «١» فنزلت هذه الآية.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٦٥ الى ٧٠]
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠)
ثم قال: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: خالق السموات والارض وَما بَيْنَهُما من الخلق، ويقال: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مالكهما وعالم بهما وما فيهما. فَاعْبُدْهُ أي:
أطعه وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ يعني: احبس نفسك على عبادته هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا يعني: هل تعلم أحداً يسمى الله سوى الله؟ وهل تعلم أحداً يسمى الرحمن سواه؟ ويقال: هل تعلم أحداً يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون؟
قوله عز وجل: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ يعني: أبي بن خلف أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا للبعث على معنى الاستفهام، قال الله عزّ وجلّ: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ يعني: أو لا يتعظ ويعتبر أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً قرأ: نافع وعاصم وابن عامر أَوَلا يَذْكُرُ بجزم الذال مع التخفيف يعني: أو لا يعلم، والباقون أَوَلا يَذْكُرُ، بنصب الذال والتشديد.
ثم قال عز وجل: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ أقسم الرب بنفسه ليبعثنهم وليجمعنهم، يعني:
الذين أنكروا البعث. وَالشَّياطِينَ يعني الشياطين قرناءهم ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ يعني: لنجمعنهم حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا يعني: جميعاً. قال أهل اللغة: الجثيُّ جمع جَاثِي، مثل بارِك وبرك، وساجد وسجد، وقاعد وقعد، أي على ركبهم ولا يقدرون على القيام. قال الزجاج: الأصل ضمّ الجيم، وجاز كسرها إتباعاً لكسر التاء، وهو نصب على الحال. ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ يعني: لنخرجن مِن كُلّ شِيعَةٍ يعني: من أهل كل دين أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا يعني: جرأة على الله عز وجل، وهم القادة في الكفر وساداتهم، نبدأ بهم فنعذبهم فِي النَّارِ.
وروي عن سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص في قوله أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا قال: يبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً.
قوله عز وجل: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا أي: أحق بالنار دخولاً.