حجره، فتناول موسى لحية فرعون ومدها إلى الأرض، فقالت له الغواة من أعداء الله: ألا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم عليه السلام؟ إنه يريد أن يصرعك وينزع عنك ملكك ويهلكك، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جبير.
فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت له: ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي؟ فقال: ألا ترينه، إنه سيصرعني؟ فقالت له: اجعل بينك وبينه أمراً لتعرف فيه الحق. ائت بجمرتين ولؤلؤتين، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين، علمت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين، فاعلم بأنه لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل. فقرب ذلك إليه، فتناول الجمرتين، فانتزعوهما منه مخافة أن تحرقا يديه.
فلما بلغ أشده وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم ولا بسخرة. فبينما هو يمشي في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتد غضبه، فوكزه فقتله، وليس يراهما أحد إلاَّ الله عَزَّ وَجَلَّ والإسرائيلي. فأتى فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قتلوا رجلاً من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا. فقال: ائتوني بقاتله والذي يشهد عليه آخذ لكم بحقكم.
فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئاً، وإذا موسى قد رأى من الغد الإسرائيلي يقاتل فرعونياً آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، وقد ندم موسى على ما كان منه بالأمس، وكره الذي رأى، فغضب على الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص: ١٨] فخاف الإسرائيلي، وظن أنه يريد إياه فقال: يا موسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ [القصص: ١٩]، فتتاركا، فانطلق الفرعوني إلى قومه وأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر. فأرسل فرعون إلى الذباحين ليقتلوا موسى، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون موسى. وجاء رجل من شيعة موسى، فاختصر طريقاً قريباً حتى سبقهم إلى موسى، فأخبره الخبر، وذلك من الفتون يا ابن جبير.
فخرج موسى متوجهاً نحو مدين، لم يلق بلاءً قبل ذلك، وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه تعالى، فإنه قال: قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ [القصص: ٢٣] وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ [القصص: ٢٣].
يعني: إنهما حابستان غنمهما. فقال: ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا: ليس لنا قوة نزاحم القوم، وإِنما ننتظر فضول حياضهم فنسقي، فسقى لهما موسى فجعل يغرف في الدلو ماء كثيراً حتى كان أول الرعاة فراغاً. فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما، وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها. فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفّلا فقال: إن لكما لشأناً اليوم.
فحدثاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه له، فأتته فدعته. فلما دخل على شعيب عليه


الصفحة التالية
Icon