وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي، يعني: اخترتك للرسالة والنبوة ولإقامة حجتي. فقال موسى: يا رب حسبي حسبي فقد تمت كرامتي، فقال الله عزَّ وَجَلَّ: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي، يعني:
آياتي التسع، وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي يعني: لا تفترا ولا تضعفا ولا تعجزا عن أداء رسالتي.
اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى، يعني: تكبر وعلا. فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً، يعني: كلاماً باللين والشفقة والرفق، لأن الرؤساء بكلام اللين أقرب إلى الانقياد من الكلام العنيف. أي: قولا له:
أيها الملك، ويقال: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لوجوب حقه عليك بما رباك، وإن كان كافراً.
وروى أسباط عن السدي قال: القول اللين، أن موسى جاءه فقال له: تسلم وتؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين، على أن لك شباباً لا يهرم أبدا، وتكون ملكا لا ينزع منك أبداً حتى تموت، ولا ينتزع منك لذة الطعام والشراب والجماع أبداً حتى تموت، فإذا مت دخلت الجنة. قال: فكأنه أعجبه ذلك، وكان لا يقطع أمراً دون هامان، وكان هامان غائباً فقال له فرعون: إن لي من أوامره وهو غائب حتى يقدم أي لأشاوره. فلم يلبث أن قدم هامان، فقال له فرعون: علمت بأن ذلك الرجل أتاني؟ فقال هامان: ومن ذلك الرجل؟ فقال: هو موسى. قال:
فما قال؟ فأخبره بالذي دعاه إليه. قال: فما قلت له؟ قال: لقد دعاني إلى أمر أعجبني. فقال له هامان: قد كنت أرى لك عقلاً وأن لك رأياً بيناً، أنت رب أفتريد أن تكون مربوبا، وبينا أن تعبد أفتريد أن تعبد غيرك؟ فغلبه على رأيه فأبى.
ثم قال تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى، يعني: يتعظ أو يسلم. وقال الزجاج: «لعل» في اللغة ترجّي وتطمّع، يقول: لعله يصير إلى خير. والله سبحانه وتعالى خاطب العباد بما يعقلون، والمعنى عند سيبويه: اذهبا على رجائكما وطمعكما، وقد علم الله تعالى أنه لا يتذكر ولا يخشى، إلا أن الحجة إنما تجب بإبائه. وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فعليك باللين لأنك لست بأفضل من موسى وهارون، ولا الذي تأمره بالمعروف ليس بأسوأ من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى بأن يأمراه باللين، فأنت أولى أن تأمر وتنهى باللين.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٥ الى ٥٢]
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لاَ تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩)
قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢)
ثم قال الله عزّ وجلّ: قالا، يعني: موسى وهارون: