قوله عز وجل: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى وذلك أن موسى لما انتهى إلى الجبل وخلّف السبعين رجلا الذين اختارهم، عجل موسى عليه السلام شوقاً إلى كلام ربه، وأمرهم بأن يتبعوه إلى الجبل، فقال الله تعالى لموسى عليه السلام وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى، يعني: ما أسبقك عن قومك، وتركت أصحابك خلفك؟ قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي، ويحتمل أن يكون أُولاءِ صلة، يعني: هم على أثري أي: يجيئون من بعدي. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى، يعني: لكي يزداد رضاك عني.
قوله عز وجل: قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وهذا على وجه الاختصار، لأنه لم يذكر ما جرى من القصة، لأنه ذكر في موضع آخر، فهاهنا اختصر الكلام وقال: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ، يعني: ابتلينا قومك من بعد انطلاقك إلى الجبل، وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ يعني:
أمرهم السامري بعبادة العجل. فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً أي: حزيناً وقال القتبي:
أَسِفاً أي: شديد الغضب. فلما دخل المحلة، رآهم حول العجل، فأبصر ما يصنعون حوله، قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً يعني: وعداً صدقاً، ومعناه: وعد الله عز وجل بأن يدفع الكتاب إلى موسى عليه السلام ليقرأه عليهم ويهتدوا به؟ أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ، يعني:
طالت عليكم المدة؟ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ، يعني: يجب غَضَبٌ، يعني: سخط مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي يعني: بترك عبادة الله عزّ وجل؟
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٧ الى ٨٩]
قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩)
قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا، يعني: ما تعمدنا ذلك. قرأ حمزة والكسائي بِمَلْكِنا بضم الميم، يعني: ما فعلناه بسلطان كان لنا ولا قدرة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بِمَلْكِنا بكسر الميم. والملك ما حوته اليد. وقرأ نافع وعاصم بِمَلْكِنا بنصب الميم وهو بمعنى الملك. وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً، يعني: آثاماً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ، يعني: من حلي آل فرعون. ويقال: أَوْزاراً يعني: أحمالا، فَقَذَفْناها يعني: فطرحناها في النار. قرأ حمزة والكسائي، وأبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر حُمِّلْنا بالنصب والتخفيف، وقرأ الباقون حُمِّلْنا بضم الحاء وتشديد الميم على فعل ما لم يُسم فاعله. فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ يعني: ألقاها في النار كما ألقينا.