فأعلمهم الله تعالى أنه يعلم قولهم، وأطلع نبيه صلّى الله عليه وسلّم على سرهم وعلانيتهم فقال: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ، يعني: يعلم سر أهل السموات وسر أهل الأرض. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص قالَ رَبِّي يَعْلَمُ على معنى الخبر، وقرأ الباقون قل ربي أعلم على معنى الأمر. ثم قال: وَهُوَ السَّمِيعُ بمقالتهم، الْعَلِيمُ بهم وبعقوبتهم.
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ، يعني: أباطيل أحلام كاذبة. وقال أهل اللغة: لا يكون الضغث إلا من أخلاط شتى، فلذلك يقال: أضغاث أحلام، يعني: لما فيها من التخاليط، وهو كل حلم لا يكون له تأويل، ومن هذا قوله: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً [ص: ٤]، يعني: أخلاط العيدان عدد مائة، ويقال: في الآية تقديم ومعناه: بل قالوا أضغاث أحلام. بَلِ افْتَراهُ، أي اختلقه من تلقاء نفسه. بَلْ هُوَ شاعِرٌ، يعني: ينقضون قولهم بعضهم ببعض، مرة يقولون سحر، ومرة يقولون أضغاث أحلام. فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ، أي يقولون: فأتنا بآية أي:
بعلامة كما في الرسل الأولين. فأخبر الله تعالى أنهم لا يؤمنون، وإن أتاهم بآية.
فقال عز وجل: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ، يعني: قبل كفار مكة. مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ للصلة والزينة، يعني: لم يصدق قبلهم أهل قرية للرسل، إذا جاءتهم بالآيات. أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ؟ يعني: أفقومك يصدقون إذا جاءتهم الآيات؟ أي: لا يؤمنون.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧ الى ٩]
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)
ثم قال عز وجل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، يعني: لم أرسل إليهم الملائكة بالرسالة، وكانت الرسل من الآدميين. فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، يعني: أهل التوراة والإنجيل. إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ، يعني: لا تصدقون. وذلك أن أهل مكة قالوا: لو أراد الله تعالى أن يبعث إلينا رسولاً لأرسل ملائكة. قرأ عاصم في رواية حفص إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ بالنون وكذلك في قوله: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [الأنبياء: ٢٥]، وقرأ حمزة والكسائي الأول بالياء، والثاني بالنون، والباقون كلاهما بالياء، وهو اختيار أبي عبيد رحمة الله.
ثم قال عز وجل: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعامَ، يعني: ما خلقنا الرسل جسداً لا يأكلون ولا يشربون، ولكن جعلناهم أجساداً فيها أرواح يأكلون ويشربون. وقال جَسَداً ولم يقل أجساداً، لأن الواحد ينبئ عن الجماعة، ويقال: معناه وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام، لأنهم قالوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان: ٧]. ثم قال: وَما كانُوا خالِدِينَ، يعني: في الدنيا. ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ، يعني: العذاب للكفار والنجاة