ثم قال عز وجل: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً الميم صلة، يعني: أعبدوا من دونه آلهة؟
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ، يعني: حجتكم وكتابكم الذي فيه عذركم. هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ هذا القرآن خبر مَن مَّعِىَ إلى يوم القيامة وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي يعني: خبر من قبلي، فلا أجد فيه أن الشرك كان مباحاً في وقت من الأوقات ويقال: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي، يعني:
القرآن وكتب الأولين.
ثم قال: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ يعني لا يصدقون بالقرآن، ويقال بالتوحيد.
فَهُمْ مُعْرِضُونَ، يعني: مكذّبين بالقرآن والتوحيد.
ثم بين ما أمر في جميع الكتب للرسل، فقال عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ، كما يوحى إليك أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ، يعني: فوحّدوني.
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً وذلك حين قال مشركو قريش في الملائكة عليهم السلام ما قالوا، فقال الله تعالى سُبْحانَهُ نزه نفسه عن الولد. بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ، يعني: بل عبيد أكرمهم الله عز وجل بعبادته. لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، أي: لا يقولون ولا يعملون شيئاً ما لم يأمرهم. وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يعني: يعملون ما يأمرهم به يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمر الآخرة. وَما خَلْفَهُمْ من أمر الدنيا، وَلا يَشْفَعُونَ يعني: الملائكة عليهم السلام. إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى أي: لمن رضي عنه بشهادة أن لا إله إلا الله. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، يعني: من هيبته خائفون، لأنهم عاينوا أمر الآخرة فيخافون عاقبة الأمر.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠)
ثم قال: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ، أي: من الملائكة: إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ، يعني: من دون الله، ولم يقل ذلك غير إبليس عدو الله. فَذلِكَ، يعني: ذلك القائل نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، أي: الكافرين.
قوله عز وجل: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: أو لم يخبروا في الكتاب؟ قرأ ابن كثير:
الم ير بغير واو وقرأ الباقون بالواو ومعناهما قريب. أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً يعني:
ملتزما فَفَتَقْناهُما، أي: فرقناهما وأبنا بعضها من بعض. وقال مجاهد: كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت، ففتقناهما بالمطر والنبات، وقال القتبي: كانتا منضمتين ففتقنا السماء بالمطر، والأرض بالنبات وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانت السموات واحدة والأرض واحدة، فتفتقت السماء سبعاً، والأرض مثلهن. وقال الزجاج: ذكر السموات والأرض ثم قال: كانَتا رَتْقاً لأن السموات يعبر عنها بالسماء بلفظ الواحد، وأن السموات كانت سماء واحدة وكذلك