ثم أخبر عن قلة صبرهم عند العذاب فقال: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ يعني:
أصابتهم عقوبة من عذاب ربك، ويقال: معناه ولئن أصابهم العذاب، أي طرف من عذاب ربك ويقال: أدنى شيء من عذاب ربك. لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، ظلمنا أنفسنا بترك الطاعة لله ربنا.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠)
قوله عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ، يعني: ميزان العدل لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، يعني:
في يوم القيامة. قال ابن عباس: «هو ميزان له لسانان وكفّتان توزن فيه أعمال الحسنات والسيئات، فيجاء بالحسنات في أحسن صورة، ويجاء بالسيئات في أقبح صورة. فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، يعني: لا ينقص من ثواب أعمالهم شيئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ، يعني: وزن حبة مِنْ خَرْدَلٍ. قرأ نافع مِثْقالَ حَبَّةٍ بضم اللام، وقرأ الباقون بالنصب. فمن قرأ بالرفع فمعناه: وإن حصل للعبد مثقال حبة من خردل، ومن قرأ بالنصب معناه: وإن كان العمل مِثْقَالَ حَبَّة يصير خبر كان أَتَيْنا بِها، يعني: جئنا بها وأحضرناها، وقرأ بعضهم أَتَيْنا بالمد، يعني: جازينا بها وأعطينا بها وأثبتنا، وقراءة العامة بغير مد. ثم قال: وَكَفى بِنا حاسِبِينَ، أي: مجازين.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ يقول: النصرة والنجاة، فنصر موسى وهارون عليهما السلام، وأهلك عدوهما فرعون. وَضِياءً، يعني: الذي أنزل عليهما من الحلال والحرام في الكتاب. قرأ ابن كثير وَضِياءً بهمزتين، وقرأ الباقون بهمزة واحدة. وَذِكْراً، يعني: عظة لِلْمُتَّقِينَ الذين يتقون الكفر والفواحش والكبائر، وقال مجاهد: الفرقان الكتاب، وقال السدي: الفرقان والنصر والضياء النور وذكراً قال: التوراة، وقال مقاتل: الفرقان والتوراة. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضِيَاء وَذِكْراً، يعني: أعطيناهما التوراة نورا وعظة وروي عن عكرمة قال: كان ابن عباس أنه كان يقرأ: الذين استجابوا لِلَّهِ والرسول اقرءوا بالواو، يعني: والذين استجابوا. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً بغير واو وقال: اجعلوا هذه الواو عند قوله: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.
ثم قال عز وجل: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، يعني: يعملون لربهم في غيب عنه،


الصفحة التالية
Icon