قوله عز وجل: قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ، يعني: يشهدون عليه بما يعرفون منه، ويقال: يشهدون عقوبته. قال: فجاؤوا به إلى ملكهم النمرود بن كنعان، قالُوا، أي قال له الملك: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ إبراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا، يعني: عظيمهم عندكم. وإنما قال هذا على وجه الاستهزاء، لا على وجه الجد.
فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ، يعني: إن كانوا يتكلمون، فسألوهم من فعل هذا بكم.
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ، فلاموها يعني: إلى أصحابهم. فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ، يعني:
حَيْثُ قلتم إن إبراهيم كَسَّرها.
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ، يعني: رجعوا إلى قولهم الأول، وقال القتبي: أي ردوا إلى ما كانوا يعرفون من أنها لا تنطق، فقالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ يا إبراهيم، يعني:
تعلم أنهم لا يتكلمون. قالَ لهم إبراهيم عليه السلام: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً؟ إنْ عبدتموهم، وَلا يَضُرُّكُمْ إن تركتموهم. أُفٍّ لَكُمْ، يعني: قذراً لكم وسحقاً لكم، وتعساً لكم والاختلاف في قوله: أُفٍّ لَكُمْ مثل ما سبق. وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله. أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ أن من ليس له ذهن ولا قوة ولا منفعة ولا مضرة أن لا تعبدوه.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٨ الى ٧١]
قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١)
ثم قال عز وجل: قالُوا يعني: قال ملكهم: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ، يعني:
انتقموا لآلهتكم، إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ به شيئاً فافعلوا. فأمر النمرود أهل القرى حتى جمعوا له الحطب أياماً كثيرة، وأمر بأن يبنى بنيانا، فبنى حائط مستدير وجمعوا له الحطب ما شاء الله، ثم أضرموا فيه النار، فارتفعت النار حتى بلغت السماء في أعين الناظرين، وكانت الطير يمر بها فيصيبها حر النار، فلا تستطيع أن تجوز فيه فتقع ميتة. فلما أرادوا أن يلقوه فيها لم يستطيعوا لشدة حرها، ولم يقدر أحد أن يدنو منها، فبطل تدبيرهم وكادوا أن يتركوه. حتى جاء إبليس عدو الله لعنه الله، فدلهم على المنجنيق، وهو أول منجنيق صنعت. وجاءوا بإبراهيم، فأوثقوا يديه وجعلوه في المنجنيق. وروي في الخبر: أن السموات والأرض والجبال بكوا عليه، وبكت