قال بعضهم: مكث أيوب في بلائه سبع سنين، وقال بعضهم: عشر سنين، وروي عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ أيُّوبَ نَبِيَّ الله لَبِثَ فِي بَلاَئِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، إلاَّ رَجُلَيْنِ من إخوانه كانا يغدوان إلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَالله لَقَدْ أذْنَبَ أيُّوبُ ذَنْباً مَا أذْنَبَهُ أحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وما ذلك؟ فقال من ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ الله تَعَالَى، فَيَكْشِف ما بِهِ. ثُمَّ رَاحَا إلَيْهِ فَلَمْ يَصْبِرَا، حَتَّى ذَكَرا ذلكَ لَهُ، فَعِنْدَ ذلكَ قالَ: ربِّ مَسَّنِيَ الضُّرُّ» «١».
قال: فلما كان ذات يوم، خرجت امرأته، فأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام في مكانه أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ [ص: ٤٢] فشرب واغتسل، فأذهب الله عز وجل ما به من البلاء، فقال أيوب: كان الركض برجلي أشد علي من البلاء الذي كنت فيه. قال ابن عباس: «لما قال الله تعالى له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ففعل، فانفجرت عين اغتسل منها فصح جسده. ثم قيل له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ففعل، فخرجت عين فشرب منها، فالتأم ما في جوفه.
فلما رجعت إليه المرأة لم تعرفه، فقالت له: بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله المبتلى؟ فو الله ما رأيت أحداً أشبه به منك إذ كان صحيحاً. قال: فإني أيوب. قال: وكان له آنذاك أندران أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين: إحداهما على أندر القمح فأفرغت الذهب حتى فاض، وأفرغت الأُخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض، ذلك قوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ، أصابني البلاء والشدة وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فعرّض ولم يفصح بالدعاء.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٤]
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
قال الله تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، يعني: رفعنا ما به من شدة وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال مقاتل: ولدت امرأة أيوب منه سبعة بنين وثلاث بنات قبل البلاء، فأحياهم الله تعالى، ثم ولدت بعد كشف البلاء سبعة بنين وثلاث بنات، فذلك قوله: وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ. وقال الكلبي: ولدت سبعة بنين وسبع بنات. فنشروا له، وولدت امرأته مثلهم سبعة بنين وسبع بنات ويقال: آتاه الله عز وجل أهله في الدنيا، ومثلهم معهم في الآخرة. وروى وكيع، عن ابن سفيان، عن الضحاك: أن ابن مسعود بلغه أن مروان بن الحكم قال: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أي أهلاً غير أهله. فقال ابن مسعود: «لا بل أهله بأعيانهم ومثلهم معهم»
.
ثم قال: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا، يعني: نعمة منا. وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ يعني: عظة

(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٦٥٩ إلى ابن أبي الدنيا، وأبي يعلى، والحاكم وابن حبّان وابن مردويه. [.....]


الصفحة التالية
Icon