قال: من هذا؟ فقالوا: عمر بن الخطاب، فأسلم أبو سفيان، فانطلق به العباس إلى منزله، فلما أصبح رأى الناس قد تحركوا للوضوء والصلاة، فقال أبو سفيان للعباس: يا أبا الفضل، أو أمروا فيَّ بشيء؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة، فتوضأ ثم انطلق به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصلاة قاموا، فلما كبر كبروا، فلما ركع ركعوا، فلما سجد سجدوا. فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل، ما رأيت كاليوم طاعة قوم، لا فارس الأكارم، والروم ذات القرون.
قال حماد بن زيد: فزعم يزيد بن حازم، عن عكرمة أنه قال: يا أبا الفضل، أصبح ابن أخيك عظيم الملك، فقال له العباس: إنه ليس بملك ولكن نبوة. قال: هو ذاك. فقال حماد:
قال أيوب ثم قال: «واصباح قريش» فقال العباس: يا رسول الله، لو أذنت لي فأتيتهم ودعوتهم، وأمنتهم وجعلت لأبي سفيان شيئاً يذكر به. قال صلّى الله عليه وسلّم: «فَافْعَلْ» فركب العباس بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودخل مكة فنادى: يا أهل مكة أسلموا تسلموا فقد استبطأتم بأشهب باذل، قد جاءكم الزبير من أعلى مكة، وجاء خالد من أسفل مكة، وخالد وما خالد، والزبير وما الزبير، ثم قال:
من أسلم فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل وأغلق بابه فهو آمن ومن تعلّق بأستار الكعبة فهو آمن. ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظهر عليهم، فآمن الناس جميعاً إلا بني بكر من أجل خزاعة، فقاتلتهم خزاعة إلى نصف النهار، فأنزل الله تعالى:
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وهم خزاعة. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ يعني: حقد قلوب خزاعة. وروى مصعب بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة، آمن الناس إلا ستة نفر: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن ضبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وامرأتين فقال: «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة».
وروى عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سار إلى مكة، ذكر إلى أن قال: «دخل صناديد قريش من المشركين إلى الكعبة، وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، فطاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبيت فصلى ركعتين، ثم أتى الكعبة، فأخذ بعضادتي الباب فقال: «ما تَقُولُونَ وما تظنّون؟» قالوا: نقول أخ كريم، وابن عم حليم رحيم. قال: أقول كما قال يوسف:
«لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» فخرجوا كأنما نشروا من القبور ودخلوا في الإسلام، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الباب الذي يلي الصفا فخطب والأنصار أسفل منه، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما إن الرجل أخذته الرأفة بقومه وأدركته الرغبة في قرابته، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أَقُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ وَالله إِنِّي رَسُولُ الله حَقّاً، إنّ محياه لمحياكم، وإنّ مماته لَمَمَاتُكُمْ».
فقالوا: يا رسول الله، قلنا مخافة أن تفارقنا ضناً بك. قال: «أَنْتُمْ الصَّادِقُونَ عِنْدَ الله وَعِنْدَ رَسُولِهِ».
قال الله تعالى: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، يعني: من أهل مكة يهديهم الله لدينه.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمن يؤمن من خلقه، حَكِيمٌ في أمره.


الصفحة التالية
Icon