الآية مدنية، نزلت في أناس من بني أسد أصابتهم شدة شديدة فاحتملوا العيال، حتى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأغلوا الأسعار بالمدينة.
فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، يعني: إن أصابه سعة وغنيمة وخصب اطمأن به، وقال:
نعم الدين دين محمد صلّى الله عليه وسلّم. وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ، أي: بلية وضيق في المعيشة، انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ أي: رجع إلى كفره الأول وقال: بئس الدين دين محمد صلّى الله عليه وسلّم. خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ، أي: غبن الدنيا والآخرة. في الدنيا بذهاب ماله، وفي الآخرة بذهاب ثوابه. ويقال:
خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ لأنه لم يدرك ما طلب من المال، وفي الآخرة بذهاب الجنة. وروي عن حميد أنه كان يقرأ خَاسِرَ بالألف، وقراءة العامة خَسِرَ بغير ألف. ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ، يعني: الظاهر البين.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٢ الى ١٥]
يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥)
قوله عز وجل: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: يعبد مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ، إن لم يعبده، يعني: الصنم، وَما لاَ يَنْفَعُهُ إن عبده. ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يعني: الخطأ البين. ويقال: في خطأ طويل بعيد عن الحق. يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، يعني: لمن إثمه وعقوبته أكثر من ثوابه ومنفعته، ويقال: ضره في الآخرة أكثر من نفعه في الدنيا. فإن قيل:
لم يكن في عبادته نفع البتة، فكيف يقال: من نفعه ولا نفع له؟ قيل له: إنما قال هذا على عاداتهم، وهم يقولون لشيء لا منفعة فيه: ضره أكثر من نفعه، كما يقولون لشيء لا يكون هذا بعيد، كما قالوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق: ٣].
ثم قال تعالى: لَبِئْسَ الْمَوْلى، يعني: بئس الصاحب، وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ يعني: بئس الخليط. ويقال: معناه من كانت عبادته عقوبة عليه، فبئس المعبود هو.
ثم ذكر ما أعد الله تعالى لأهل الصلاح والإيمان، فقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، يعني: يحكم في خلقه ما يشاء من السعادة والشقاوة.
قوله تعالى: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ، الهاء: كناية عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويجوز في اللغة الإضمار في الكناية وإن لم تكن مذكورة إذا كان الأمر ظاهراً، كقوله تعالى: مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: ٤٥]، يعني: على ظهر الأرض، وكقوله عز وجل: حَتَّى تَوارَتْ