ثم قال عز وجل: ذلِكَ يقول: هذا الذي أمر من اجتناب الأوثان. وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ، يعني: البدن، فيذبح أعظمها وأسمنها. وروي عن ابن عباس أنه قال: «تعظيمها استعظامها، وأيضاً استسمانها واستحسانها». ثم قال: فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، يعني: من إخلاص القلوب، ويقال: من صفاء القلوب، وشَعائِرَ اللَّهِ: معالم الله ودينه، التي ندب إلى القيام بها وواحدها: شعيرة.
قوله عز وجل: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ، يعني: في البدن. وقال مجاهد: يعني: في ركوبها وشرب ألبانها وأوبارها. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، يعني: إلى أجَلٍ مسمًّى بدناً، فمحلها إلى البيت العتيق. وروي عن ابن عباس نحو هذا، وقد قول بعض الناس: إنه يجوز ركوب البدن، وقال أهل العراق: لا يجوز إلا عند الضرورة، ويضمن ما نقصها الركوب، وهذا القول أحوط الوجهين. ثُمَّ مَحِلُّها يعني: منحرها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، يعني: في الحرم. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «جَمِيعُ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ».
ثم قال عز وجل: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ، يعني: لكل أهل دين، ويقال: لكل قوم من المؤمنين فيما خلا، جَعَلْنا مَنْسَكاً يعني: ذبحاً لهراقة دمائهم. ويقال: مذبحاً يذبحون فِيهِ. قال الزجاج: معناه، جعلنا لكل أمة أن تتقرب بأن تذبح الذبائح لله تعالى. قرأ حمزة والكسائي مَنْسَكاً بكسر السين، وقرأ الباقون بالنصب. فمن قرأ بالكسر، يعني: مكان النسك. ومن قرأ بالنصب، فعلى المصدر. وقال أبو عبيد: قراءتنا هي بالنصب لفخامتها.
ثم قال: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، يعني: يذكرون اسم الله تعالى عند الذبح. فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، أي ربكم رب واحد. فَلَهُ أَسْلِمُوا، أي: أخلصوا بالتسمية عند الذبيحة وفي التلبية. وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ، أي: المخلصين بالجنة. ويقال:
المجتهدين في العبادة والسكون فيها. قال قتادة: المختبون المتواضعون. وقال الزجاج: أصله من الخبت من الأرض، وهو المكان المنخفض. ويقال: المخبت الذي فيه الخصال التي ذكرها الله بعده، وهو قوله عز وجل: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، يعني: خافت قلوبهم وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ من أمر الله من المرازي والمصائب وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ يعني:
يقيمونها بمواقيتها، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يعني: يتصدقون وينفقون في الطاعة. ثم ذكر البدن، يعني: ينحرون البدن. فهذه الخصال الخمسة صفة المخبتين.