ثواب أعمالهم، ويقال: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ يعني: كلامهم يشهد عليهم بالكفر. وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ، يعني: يكونون في النار هم دائمون، ويقال: شاهدين على أنفسهم يوم القيامة، فلا ينفعهم عمارة المسجد بغير إيمان. وروى أسباط، عن السدي في قوله: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أنه قال: يسأل النصراني ما أنت؟ فيقول: نصراني، ويسأل اليهودي ما أنت؟ فيقول: يهودي، ويسأل المشرك ما أنت؟ فيقول: مشرك، فذلك قوله تعالى شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ.
ويقال: الآية نزلت في شأن العباس حين أُسِر يوم بدر، فأقبل عليه نفر من المهاجرين وعيّروه بقتال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبقطيعة الرحم، فقال العباس: «ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟» فقال له عليّ رضي الله عنه: «فهل لكم من المحاسن شيء؟» فقال: «نعم، إنا نعمر المسجد الحرام، ونحج الكعبة، ونسقي الحاج، ونفك العاني، ونفادي الأسير، ونؤمن الخائف، ونقري الضيف» فنزل مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ إلى قوله: أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ.
قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، يعني: صدق بوحدانية الله تعالى.
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يعني: آمن بالبعث بعد الموت، لأن عمارة المسجد بإقامة الجماعات، وهم كانوا لا يقيمون الصلاة، فلم يكن ذلك عمارة المسجد، فذلك قوله: وَأَقامَ الصَّلاةَ، يعني:
يداوم على الصلوات الخمس، ويقيمها بركوعها وسجودها في مواقيتها، وَآتَى الزَّكاةَ المفروضة، وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ يعني: ولم يعبد إلا الله ولم يوحّد غيره فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، يعني: أُولئك هم المهتدون لدينه، ولهم ثواب أعمالهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٩]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)
قوله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يعني: كإيمان من آمن بالله وَجاهَدَ في طاعة الله. وقال القتبي:
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ، يعني: صاحب سقاية الحاج كمن آمن بالله؟ ويقال: أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله؟ كما قال في آية أخرى: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً [الحج: ٤٠] والصلوات لا تهدم، وإنما أراد به بيوت الصلوات، كما قال مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [محمد: ١٣]، يعني: أهل قريتك. كذلك هاهنا سقاية الحاج، أراد به صاحب السقاية. قرأ بعضهم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام يعني: جمع الساقي والعامر، وهي قراءة شاذة.