قوله عز وجل: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَآءً بِقَدَرٍ، يعني: بوزن، ويقال: بِقَدَرٍ ما يكفيهم لمعايشهم ويقال: بِقَدَرٍ يعني: كل سنة تمطر بقدر السنة الأولى، كما روي عن ابن مسعود أنه قال: «ليست سنة بأمطر من سنة، ولكن الله عز وجل يصرفه حيث يشاء» ويقال:
وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَآءً، أي أربعة أنهار تخرج من الجنة: دجلة، والفرات، وسيحان، وجيحان. فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ، يعني: فأدخلناه في الأرض، ويقال: جعلناه ثابتاً فيها من الغدران والعيون والركايا. وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ، يعني: يغور في الأرض، فلا يقدر عليه، كقوله عز وجل: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً [الملك: ٣٠]. فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ، يعني:
وأخرجنا بالماء جنات، يعني: الخضرة، ويقال: جعلنا لكم بالماء البساتين. مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، يعني: الكروم لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ، يعني: ألوان الفواكه سوى النخيل والأعناب. وَمِنْها تَأْكُلُونَ.
ثم قال عز وجل: وَشَجَرَةً، يعني: وأنبتنا شجرة، ويقال: خلقنا شجرة، تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ قال قتادة: طور سيناء جبل حسن، وقال الكلبي: جبل ذو شجرة، وقال مجاهد:
الطور جبل، والسيناء حجارة، وقال القتبي: الطور جبل والسيناء اسم. وقال مقاتل: خلقنا في الجبل الحسن الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام. وقرأ ابن كثير وأبو عمر ونافع طُورِ سَيْناءَ بكسر السين، وقرأ الباقون بالنصب، ومعناهما واحد.
ثم قال: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ، يعني: تخرج بالدهن. قرأ ابن كثير وأبو عمرو تَنْبُتُ بضم التاء وكسر الباء، يعني: تخرج الدهن، وقرأ الباقون تَنْبُتُ بنصب التاء وضم الباء، وهو اختيار أبي عبيد، أي: تنبت معه الدهن، كما يقال: جاءني فلان بالسيف، أي معه السيف.
وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ، يعني: الزيت يصطبغ به، وجعل الله عز وجل في هذه الشجرة إداماً ودهناً، وهي صبغ للآكلين.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢)
ثم قال عز وجل: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً، يعني: في الإبل والبقر والغنم معتبر لمن يعتبر فيها، يقال: العبر بأوقار، والمعتبر بمثقال. نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها، يعني: من ألبانها وهي تخرج مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ. قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر نُسْقِيكُمْ بنصب النون، وقرأ الباقون بالضم، وهذا مثل ما في سورة النحل.
ثم قال: وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ، يعني: في ظهورها وأصوافها وألبانها وأشعارها، وَمِنْها تَأْكُلُونَ يعني: من لبنها ولحومها وأولادها. عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
، يعني:
على الأنعام في المفازة، وعلى السفينة في البحر تسافرون.


الصفحة التالية
Icon