يعني: عذابنا، وَفارَ التَّنُّورُ يعني: بنبع الماء من أسفل التنور، فَاسْلُكْ فِيها يعني: فأدخل في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يعني: من كل حيوان صنفين ولونين ذكراً وأنثى، وَأَهْلَكَ يعني: وأدخل فيها أهلك، إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ يعني: إلا من وجب عليه العذاب، وهو ابنه كنعان. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: ولا تراجعني بالدعاء في الذين كفرُوا وهو ابنه. إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بالطوفان. قرأ عاصم في رواية حفص مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ بتنوين اللام، وقرأ الباقون بغير تنوين.
ثم قال عز وجل: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ، يعني: ركبت السفينة أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ يعني: في السفينة فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، يعني: الشكر لله الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني: المشركين.
قوله عز وجل: وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي، يعني: إذا نزلت من السفينة إلى البر، فقل: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً. قرأ عاصم في رواية أبي بكر مُنْزَلًا بنصب الميم وكسر الزاي، يعني:
موضع النزول وقرأ الباقون مُنْزَلًا بضم الميم ونصب الزاي، وهو اختيار أبي عبيد، وهو المصدر من أنزل ينزل، فصار بمعنى أنزلني إنزالاً مباركاً. وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ من غيرك.
وقد قرأ في الشّاذ وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ بنصب الزاي، يعني: أن الله تعالى قال لنوح عليه السلام: قل هذا القول، حتى تكون خير المنزلين.
ثم قال عز وجل: إِنَّ فِي ذلِكَ، يعني: في إهلاك قوم نوح. لَآياتٍ، يعني: لعبراً لمن بعدهم. وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ، يعني: وقد كنا لمختبرين بالغرق ويقال: بالطاعة والمعصية. وَإِنْ بمعنى قد، كقوله وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ [إبراهيم: ٤٦]، يعني: وقد كان مكرهم.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)
قوله عز وجل: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ، أي خلقنا من بعدهم قَرْناً آخَرِينَ وهم قوم هود، فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يعني: نبيّهم هوداً عليه السلام أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، يعني قال لهم هود: احمدوا الله وأطيعوه، مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ، يعني: اتقوه. اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الأمر.
قوله عز وجل: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ، يعني: بالبعث