بعد الموت، وَأَتْرَفْناهُمْ يعني: أنعمنا عليهم، ويقال: وسعنا عليهم حتى أترفوا. فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا، يعني قالوا: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ، يعني: آدمياً مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ، يعني: كما تأكلون منه، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ يعني: كما تشربون. وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً، يعني: آدمياً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ، أي لمغبونون أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً، أي صرتم تراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، يعني: محيون.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣٦ الى ٤٣]
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣)
قوله عز وجل: هَيْهاتَ هَيْهاتَ قرأ أبو جعفر المدني هَيْهاتَ هَيْهاتَ كلاهما بكسر التاء. قال أبو عبيد: قراءتها بالنصب، لأنه أظهر اللغتين وأفشاهما، وقال بعضهم: قد قرئ هذا الحرف بسبع قراءات: بالكسر، والنصب، والرفع، والتنوين، وغير التنوين، والسكون. وهذه كلمة يعبر بها عن البعد، يعني: بعيداً بعيداً، ومعناه أنهم قالوا: هذا لا يكون أبداً، يعني:
البعث. لِما تُوعَدُونَ، يعني: بَعِيداً بَعيداً لِمَا تُوْعَدُونَ. إِنْ هِيَ، يعني: ما هي إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا، يعني: نحيا ونموت على وجه التقديم، ويقال: معناه يموت الآباء وتعيش الأبناء. وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، يعني: لا نبعث بعد الموت. إِنْ هُوَ، يعني: ما هو إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ، يعني: بمصدقين. فلما كذبوه دعا عليهم، قالَ رَبِّ انْصُرْنِي، يعني: قال هود: أعني عليهم بالعذاب بِما كَذَّبُونِ.
قالَ الله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ، يعني: عن قريب. وما صلة، كقوله فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران: ١٥٩]. لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ، يعني: ليصيرن نادمين، فأخبر الله تعالى عن معاملة الذين كانوا من قبل مع أنبيائهم وسوء جزائهم وأذاهم لأنبيائهم، ليصبر النبي صلّى الله عليه وسلّم على أذى قومه.
ثم أخبر عن عاقبة أمرهم، فقال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ يعني: العذاب وهو الريح العقيم، ويقال: وهي صيحة جبريل عليه السلام فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً، يعني: يابساً، ويقال: هلكى كالغثاء، وهو جمع غثاء، وهو ما على السيل من الزبد، لأنه يذهب ويتفرق.
وقال الزجاج: الغثاء البالي من ورق الشجر، أي جعلناه يبساً كيابس الغثاء. ويقال: الغثاء النبات