اليابس كقوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى [الأعلى: ٥]. ثم قال: فَبُعْداً، يعني: سحقاً ونكساً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، يعني: بعداً من رحمة الله تعالى.
قوله عز وجل: ثُمَّ أَنْشَأْنا، يعني: خلقنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وفي الآية مضمر ومعناه: فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ يعني: ما يتقدم ولا تموت قبل أجلها طرفة عين، وَما يَسْتَأْخِرُونَ بعد أجلهم طرفة عين.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٤ الى ٤٨]
ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨)
قوله عز وجل: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا، يعني: بعضها على إثر بعض. قرأ ابن كثير وأبو عمرو تَتْرَى بالتنوين، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الراء بغير تنوين، وقرأ الباقون بنصب الراء وبغير تنوين وهو التواتر. قال مقاتل: كلّ ما في القرآن «تترى وَمِدْرَاراً وَأَبَابِيلَ وَمُرْدِفِينَ»، يعني:
بعضها على إثر بعض. قال القتبي: أصل تترى وتراً، فقلبت الواو تاءً كما قلبوها في التقوى والتخمة، وأصلها وتراً، والتخمة وأصلها أوخمت.
ثم قال عز وجل: كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً بالهلاك الأول فالأول، فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي أخباراً وعبراً لمن بعدهم، ويقال: فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ لمن بعدهم، يتحدثون بأمرهم وشأنهم وقال الكلبي: ولو بقي واحد منهم لم يكونوا أحاديث.
فَبُعْداً لِلْهَالِكِ ويقال: فسحقاً لِقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ، يعني: لا يصدقون.
قوله عز وجل: ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا التسع، وَسُلْطانٍ مُبِينٍ يعني:
بحجة بينة إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي: قومه فَاسْتَكْبَرُوا يعني: تعظموا عن الإيمان والطاعة، وَكانُوا قَوْماً عالِينَ يعني: متكبرين. فَقالُوا أَنُؤْمِنُ يعني: أنُصدق لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا؟ يعني:
خلقين آدميين. وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ، يعني: مستهزئين ذليلين. فَكَذَّبُوهُما، يعني: موسى وهارون عليهما السلام، فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ يعني: صاروا مغرقين في البحر.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٩ الى ٥٣]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣)