وثغاء الغنم وصوت الصبيان؟ فقالوا له: إن مالك بن عوف أمرنا بإخراج الأموال لكي يقاتل كل واحد منهم عن ماله. فقال لهم: هلا أخبرتموني بذلك قبل الخروج فقال: هل يرى المنهزم شيئا؟ فالرجل إذا جاءته الهزيمة متى يبالي بماله وولده؟ ولكن إذا فعلتم ذلك فاكسروا جفون سيوفكم، واحملوا حملة رجل واحد. ففعلوا ذلك، فانهزم المسلمون، ولم يبق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا العباس، وأبو سفيان بن حرب بن عبد المطلب، وعدة من الأنصار. فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بغلته، وأخذ السيف نحو العدو، وجعل ينادي: «يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ، يَا أَصْحَابَ سُورَةِ البَقَرَةِ إِليَّ إليّ» فأمدّه الله بخمسة آلاف من الملائكة، ورجع إليه المسلمون، وانهزم المشركون، وأخذ المسلمون أموالهم، وهو الذي يسمى يوم أوطاس، فنزلت هذه الآية لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ فأخبر الله تعالى أن الغلبة ليست بكثرتكم، ولكن بنصر الله تعالى، وكان ذلك مِنْ آيات الله.
ثم قال: وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ يعني: برحبها وسعتها من خوف العدو، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ يعني: منهزمين لا تلوون على أحد.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧)
قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ، يعني: رحمته وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً، يعني: خمسة آلاف من الملائكة لَمْ تَرَوْها وفي الآية دليل: أن المؤمن لا يخرج من الإيمان وإن عمل الكبيرة، لأنهم ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم أكثر من عدد المشركين، فسماهم الله تعالى مؤمنين. وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: بالقتل والهزيمة.
وَذلِكَ يعني: ذلك العذاب جَزاءُ، عقاب الْكافِرِينَ.
قوله: ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ من أصحاب مالك بن عوف، من كان أَهْلاً للإسلام. - وروي عن محمد بن كعب القرظي «١» - قال: لما انهزم مالك بن عوف، سار مع ثلاثة آلاف، فقال لأصحابه: هل لكم أن تصيبوا من محمد مالاً؟ قالوا: نعم. فأرسل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني أريد أن أسلم، فما تعطيني؟ فأرسل إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إِنِّي أُعْطِيكَ مِائةً مِنَ الإِبِلِ وَرُعَاتَهَا». فجاء فأسلم، فأقام يومين أو ثلاثة، فلما رأى المسلمين ورقتهم وزهدهم واجتهادهم، رق لذلك فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يَا ابْنَ عَوْفٍ أَلاَ نَفِي لَكَ بِمَا أَعْطَيْنَاكَ مِنَ الشَّرْطِ؟» فقال: يا رسول الله، أمثلي يأخذ على الإسلام شيئاً؟ قال: فكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة