ولكن حملته الحمية، فقال: كلا ولكنها عداوتك للخزرج. قال: فاسْتَبَّا، فقام أسيد بن حضير الأوسي، وقال: يا سعد بن عبادة، أتقول هذا؟ كلا والله ولكنك منافق تحب المنافقين، فاستب حي هذا وحي هذا، فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللغط، نزل وتركهم، وقد تلا عليهم ما أنزل الله تعالى عليه في أمر عائشة رضي الله عنها إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ يعني جماعة منكم، وهو ما قال عبد الله بن أبيّ وأصحابه: ما برئت عائشة من صفوان، وما برىء عنها صفوان، والعصبة عشرة، فما فوقها، كما قال الكلبي.
لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، يعني: عائشة ومن كان ينسبها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأنه لو لم يكن قولهم، لم يظهر فضل عائشة رضي الله عنها وإنما ظهر فضل عائشة بما صبرت على المحنة، فنزل بسببها سبع عشرة آية من القرآن من قوله: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ إلى قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ووجه آخر: بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأنه يؤخذ من حسناتهم ويوضع في ميزانه، يعني: عائشة وصفوان، وهذا خير له.
ثم قال: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، يعني: لكل واحد منهم العقوبة بمقدار ما شرع في ذلك الأمر، لأن بعضهم قد تكلم بذلك، وبعضهم ضحك، وبعضهم سكت، فكل واحد منهم ما اكتسب من الإثم بقدر ذلك.
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، يعني: الذي تكلم بالقذف مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ، يعني: الحد في الدنيا. فأقام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحدّ، وكان حميد يقرأ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ بضم الكاف، يعني:
عظمه. قال أبو عبيد: والقراءة عندنا بالكسر، وإنما الكبر في النسب وفي الولاء.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ١٢ الى ١٥]
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)
ثم قال عز وجل: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ، يعني: هلا إذ سمعتم قذف عائشة وصفوان.
ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً، يعني: هلا ظننتم به كظنكم بأنفسكم؟ ويقال: ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم، كظن المؤمنين والمؤمنات بأمثالهم وبأهل دينهم خيراً، ويقال:
يعني، هلا ظننتم كما ظن المؤمنون والمؤمنات؟ وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ، يعني: هلا قلتم حين بلغكم هذا الكذب، هذا كذب بيّن، وعلمتم أن أمكم لا تفعل ذلك؟ لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ، يعني: هلّا جاءوا بها. فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ في