أهل هذه الآية إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. فلما لم يكن من أهلها، قلت لعله من أهل آية أخرى» وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء: ١٣٠].
ثم قال: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ، أي واسع الفضل، ويقال: واسِعٌ أي موسع في الرزق، يوسع على من يشاء عَلِيمٌ بقدر ما يحتاج إليه كل واحد منهم.
ثم أخبر أنه لا رخصة لمن لم يجد النكاح في الزنى، وأمر بالتعفف للذي لا امرأة له، فقال عز وجل: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ، يعني: ليحفظ نفسه عن الحرام الذين لا يَجِدُونَ نِكاحاً، يعني: سعة بالنكاح: المهر والنفقة ويقال: يعني، امرأة موافقة، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني: من رزقه بالنكاح. وقد قيل: إنَّ الصبر والطلب خير من الغارة والهرب.
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ- أي يطلبون الكتابة «١» -- قال ابن عباس: وذلك أن مملوكاً لحُويطب يقال له صبيح، سأل مولاه أن يكاتبه، فأبى عليه، فنزلت الآية وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ يعني: يطلبون الكتابة «٢» - مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً، يعني: حرفة. قال مجاهد وعطاء، يعني: مالاً. وروي، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: أدَباً وصلاحاً، وقال إبراهيم: يعني: وفاءً وصدقاً. وروى يحيى بن أبي كثير، قال: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً، أي حِرْفَةً وَلا تُرْسِلُوهُمْ كَلاًّ عَلَى النَّاسِ». وقال ابن عباس: «الخير المال»، كقوله إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة: ١٨٠] يعني: مالاً، وقيل: خَيْراً، يعني: صلاحاً في دينه، لكيلا يقع في الفساد بعد العتق، وهذا أمر استحباب لا إيجاب. وقال بعضهم: هو واجب. وروى معمر، عن قتادة قال: سأل سيرين أبو محمد بن سيرين، أنس بن مالك بأن يكاتبهُ، فأبى أنس بن مالك، فرفع عليه عمر الدرة وتلا هذه الآية: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً.
ثم قال: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ، يعني: أعطاكم، يعني: يحطّه من الكتاب شيئاً، ويقال: يعطى من بيت المال، حتى يؤدي كتابه. وقال عمر وعلي رضي الله عنهما:
«يترك له ربع الكتابة»، وقال قتادة: «يترك له العشر»، وقال إبراهيم: حثّ المولى وغيره بأن يعينوه، هذا أمر استحباب وليس بواجب، وقال بعضهم: الحط واجب، والأول أصحّ.
ثمّ قال: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ، يعني: لا تكرهوا الإماء على الزنى. وقال عكرمة: كانت جارية لعبد الله بن أبيّ، يقال لها: معاذة، وكان يكلفها الخراج عن الزنى، فنزل: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً يعني: تعففاً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا، يعني: لتطلبوا بكسبهن وولدهن المال. وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ، يعني: يجبرهن على
(٢) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «ب».