ما أمرتم والإثم عليكم إذا تركتم الإجابة وَإِنْ تُطِيعُوهُ يعني: النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تَهْتَدُوا من الضلالة.
ثم قال: وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وفي الآية مضمر، فكأنه يقول: وإن تعصوه وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعني: ليس عليه إلا التبليغ.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٥]
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥)
قوله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وذلك أن كفار مكة لما صَدُّوا المسلمين عن مكة عام الحديبية، فقال المسلمون: لو فتح الله تعالى مكة ودخلناها آمنين، فنزل قوله لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ يعني: لينزلنهم في أرض مكة كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: من قبل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من بني إسرائيل وغيرهم، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ يعني:
ليظهرن لهم دِينَهُمُ الإسلام الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ من كفار أَمْناً من الكفار. يَعْبُدُونَنِي يعني: لكي يعبدوني لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ويقال: معناه يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، أي: يظهر عبادة الله تعالى، ويبطل الشرك. وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه بمكة زماناً نحواً من عشر سنين، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال، حتى إذا أمروا بالهجرة إلى المدينة، فقدموا المدينة، أمرهم الله تعالى بالقتال، فكانوا بها خائفين يُمسون في السلاح، ويصبحون في السلاح، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله نحن أبداً خائفون، هل يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ يَكُونُ إلاّ يَسِيراً حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي المَلإ العَظِيمِ مُحْتَبِياً لَيْسَتْ فِيهِ حَدِيدَةٌ» «١» ونزلت هذه الآية وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ الآية.
ويقال: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ يعني:
يكونوا خلفاء بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واحداً بعد واحد.
ثم قال: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ يعني: بعد الأمن والتمكين فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ يعني العاصين. قرأ عاصم في رواية أبي بكر كَمَا اسْتَخْلَفَ بضم التاء وكسر اللام على فعل ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون بنصب التاء واللام لأنه سبق ذكر الله تعالى. وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ بالتخفيف. وقرأ الباقون بتشديد الدال، من بدَّل يبدِّل والأول من أبدل يبدل.