الآية قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وَيَجْعَلُ بضم اللام على معنى خبر الابتداء، وقرأ الباقون بالجزم لأنه جواب الشرط.
ثم قال عز وجل: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ معناه: ولكن كذبوا بالساعة يعني: بالقيامة وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً يعني: هيأنا لمن كذب بالقيامة وقوداً، وهُوَ نار جهنم إِذا رَأَتْهُمْ يعني: جهنم مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يعني: من مسيرة خمسمائة سنة. ويقال: من مسيرة مائة سنة سَمِعُوا لَها يعني: منها تَغَيُّظاً على الكفار وَزَفِيراً يعني: صوتاً كصوت الحمار.
وقال قوم: معناه يسمعون منها تغيظ المعذبين وزفيرهم، كما قال: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود: ١٠٦] وقال عامة المفسرين: التغيظ والزفير يسمع من النار، ألا ترى أنه قال: سَمِعُوا لَها، ولم يقل: سمعوا منها، ولا فيها. وقال في آية أُخرى: وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك: ٨] وروي في الخبر: «أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسل إلا خرَّ على وجهه ترعد فرائصهم حتى إن إبراهيم الخليل عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: يا رب يا رب لا أسألك إلا نفسي».
ثم قال عز وجل: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها يعني: فيها مَكاناً ضَيِّقاً يعني: يضيق عليهم المكان كتضييق الزُّجِّ من الرُّمح مُقَرَّنِينَ يعني: مسلسلين في القيود، موثقين في الحديد، قرنوا مع الشياطين دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً فعند ذلك دعوا بالويل، يعني: يقولون وا هلاكاه، فتقول لهم الخزنة: لاَّ تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً يعني: ادعوا ويلاً كثيراً دائماً.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٥ الى ١٦]
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦)
قال الله تعالى للنبي صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ يا محمد لكفار مكة أَذلِكَ خَيْرٌ يعني: هذا الذي وصف من العذاب خير أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ فإن قيل: كيف يقال خير وليس في النار خير؟ قيل له:
قد يقال على وجه المجاز، وإن لم يكن فيه خير، والعرب تقول: العافية خير من البلاء، وإنما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ يعني: الذين يتقون الشرك والكبائر.
كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً يعني: جزاء بأعمالهم الحسنة ومرجعاً إليها.
ثم قال عز وجل: لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ يعني: يحبون خالِدِينَ أي: دائمين في الجنة كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً منه في الدنيا مَسْؤُلًا يسأله المتقون. ويقال مَسْؤُلًا يسأل لهم الملائكة عليهم السلام، وهو قوله عز وجل: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ [غافر: ٨] ويقال:
وعدوا على لسان رسلهم، وقد سألوا الله عز وجل ذلك، وهو قوله: رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ ويقال: وعداً لا خلف فيه لمن سأله.