أنزل علينا الملائكة، فيخبروننا بأنك رسول الله إلينا أَوْ نَرى رَبَّنا فيخبرنا بأنك نبيّ مرسل.
قال الله تعالى: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ يعني: تعظموا في أنفسهم، وأعرضوا عن الإيمان.
ويقال: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ يعني: وضعوا لأنفسهم قدراً ومنزلة، حيث أرادوا لأنفسهم الرسل من الملائكة عليهم السلام ورؤية الرب عز وجل: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً يعني: أبوا إباءً كثيراً. ويقال: اجترءوا على الله اجتراء كثيراً. وقال أهل اللغة: العاتي الذي لا ينفعه الوعظ والنصيحة.
ثم أخبر متى يرون الملائكة فقال عز وجل: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ يعني: يوم القيامة لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ يعني: للمشركين، وتكون البشارة للمؤمنين.
ثم قال: وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً يعني: تقول لهم الملائكة: حراماً محرماً، أن تكون لهم البشرى يومئذ بما يبشر به المتقون، وإنما قيل للحرام حجرا، لأنه حجر عليه.
وقال مجاهد: «تقول الملائكة: حراماً محرماً أن يدخلوا الجنة». وقال الحسن وقتادة:
هي كلمة كانت العرب تقولها. كان الرجل إذا نزلت به الشدة قال: حجراً محجوراً، أي: حراماً محرماً. ويقال: إن قريشاً كانوا إذا استقبلهم أحد كانوا يقولون له: حاجورا حاجورا، حتى يعرف أنهم من الحرم، فلا يضرونهم، وأخبر أنهم كانوا يقولون ذلك ولا ينفعهم.
ويقال: إن المشركين في الشهر الحرام إذا استقبلهم أحد يقولون: حجراً محجوراً، ويريدون أن يذكروه أنه في الشهر الحرام، وذلك القول لا ينفعهم يوم القيامة. وقرأ الحسن:
حِجْراً بضم الحاء، وقراءة العامة: بكسر الحاء.
ثم قال عز وجل: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ قال الكلبي: يعني عمدنا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عمل لغير الله تعالى. ويقال: قصدنا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عمل، ومعناه: نظرنا في أعمالهم ولم نجد فيها خيراً، فأبطلناها، ولم نجعل لها ثواباً، فذلك قوله تعالى: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً قال الضحاك: هو الغبار ما لا يستطاع جمعه، ولا أخذه بيد. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الهباء المنثور الذي تراه في شعاع الشمس في الكوة»، وهذا قول عكرمة والكلبي. وقال قتادة: هو ما ذرت الريح من حطام الشجر. ويقال: الغبار الذي يسطع من حوافر الدواب.
ثم قال عز وجل: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا يعني: أفضل منزلاً وَأَحْسَنُ مَقِيلًا قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس إلى مقدار نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنة، وهؤلاء فِي النَّارِ.
وروي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا: «لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار»، عنيا بذلك: يوم القيامة، ولأن مقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة، وإنما أراد بتلك القيلولة القرار لا النوم، لأن لا يكون في الجنة نوم، ولا في النار نوم.


الصفحة التالية
Icon