قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يعني:
يجمعون ويمنعون زكاتها. قال بعضهم: هذا نعت للأحبار والرهبان، وقال بعضهم: هذا ابتداء في حق كل من جمع المال ومنع منه حق الله، وقال ابن عباس: «الكنز الذي لا يؤدى عنه زكاته» «١».
وروى نافع، عن ابن عمر أنه قال: «أي مال كان على وجه الأرض لا تؤدى زكاته، فهو كنز يعذب صاحبه يوم القيامة وما كان في الأرض تؤدى زكاته، فليس بكنز». وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما كان أكثر منها فهو كنز».
ثم قال: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، يعني: أهل هذه الصفة الذين يكنزون الذهب والفضة، وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يعني: لا يؤدون حقها في طاعة الله تعالى. وقال: وَلا يُنْفِقُونَها ولم يقل: ينفقونه، لأنه انصرف إلى المعنى، يعني: لا ينفقون الكنوز، ويقال: لا ينفقون الأموال، ويقال: يعني الفضة.
وقال بعضهم: نزل هذا في شأن الكفار، وقال بعضهم: كان هذا في أول الإسلام ووجب عليهم أن يؤدوا الفضل، ثم نسخ بآية الزكاة. وقال بعضهم: كل مؤمن لا يؤدي الزكاة فهو من أهل هذه الآية، وهو قوله تعالى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، يعني: يوقد على الكنوز، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ، ويقال لهم: هذا ما كَنَزْتُمْ يعني: ما جمعتم لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ.
قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم أنه قال: «والذي لا إله غيره، لا يعذب رجل بكنز فيمس دينار ديناراً، ولا درهم درهماً، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم على جسده وكل دينار على خدّه» «٢». وروى أبو أمامة الباهلي قال: «مات رجل من أهل الصُّفة فوجد في مؤتزره دينار، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «كية». ومات رجل آخر فوجد في مؤتزره ديناران فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«كيتان» «٣»، والمعنى في ذلك: أنه قد أصاب ذلك من الغلول، ولو لم يكن أصابه من الغلول لكان لا يستحق العقوبة، لأن الزكاة لا تجب في أقل من عشرين ديناراً. وقال بعضهم: كان هذا في الوقت الذي وجب عليه أن ينفق الفضل.
(٢) عزاه السيوطي: ٤/ ١٧٩ إلى ابن أبي حاتم والطبراني وأبي الشيخ.
(٣) حديث ابن مسعود: أخرجه أحمد: ١/ ٤٥٧ وأبو يعلى: (٥٠٣٧).