ثم قال عز وجل: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال قتادة ومجاهد: يتبعهم الشياطين.
وقال في رواية الكلبي: الغاوون هم الرواة الذين كانوا يروون هجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. ويقال:
الْغاوُونَ هم الضالون. ويقال: شعراء الكفار كانوا يهجون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيتبعهم الكفار.
ثم قال عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ يعني: في كل وجه وفن يذهبون ويخوضون، يأخذون مرة يذمون، ومرة يمدحون، وذكر عن القتبي أنه قال: فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ من القول، وفي كل مذهب يذهبون كما تذهب البهائم على وجهها. وقال غيره: هام الرجل والبعير، إذا مضى على وجهه، لا يدري أن يذهب، فكذلك الشاعر يأخذ كلامه لا يدري أين ينتهي. قرأ نافع وحده يَتَّبِعُهُمُ بجزم التاء، والتخفيف، وقرأ الباقون يَتَّبِعُهُمُ بنصب التاء والتشديد، وهما بمعنى واحد: يتبعهم، ويتبعهم.
ثم قال: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ يعني: أن الشعراء يقولون قد فعلنا كذا وكذا، وقلنا كذا، فيمدحون بذلك أنفسهم وهم كذبة. ثم استثنى شعراء المسلمين حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك رضي الله عنهم، فقال عز وجل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً يعني: ذكروا الله في أشعارهم. ويقال: وذكروا الله عز وجل في الأحوال كلها وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا يعني: انتصر شعراء المسلمين من شعراء الكافرين، فكافؤوهم والبادئ أظلم. ويقال: انتصروا من أهل مكة من بعد ما أخرجوا، لأن الحرب تكون بالسيف وباللسان، فأذن القتال بالشعر، كما أذن بالسيف، إذ فيه قهرهم.
ثم أوعد شعراء الكافرين فقال تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: الذين هجوا المسلمين أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يعني: أي مرجع يرجعون إليه في الآخرة، يعني: إلى الخسران والنار. ويقال: هاتان الآيتان مدنيتان، وذكر أنه لما نزل وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ جاء عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وهما يبكيان فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَالشُّعَراءُ إلى قوله:
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فقال: عليه السلام «هذا أنتم» وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا أنتم. وروي عن عكرمة قال عن ابن عباس أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً، وَإِنَّ مِنَ الشُّعَرَاءِ لَحُكَمَاءَ» «١» وفي رواية أخرى: «إنّ من الشعر لحكما وَإِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً» والله سبحانه وتعالى أعلم- وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم «٢».
(٢) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «أ». [.....]