حدثنا يحيى بن أبي طالب، عن عبد الرحمن بن إبراهيم الرازي قال: حدثنا الفرات، عن ميمون بن مهران، عن ضبّة بن محصن، عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: «والله لليلة من أبي بكر خير من عمر وآله». قيل: وأيه ليلة هي؟ قال: «لما خرج رسول الله هارباً من أهل مكة ليلاً، فتبعه أبو بكر، فجعل أبو بكر يمشي مرّة أمامه ومرة خلفه، ومرةٌ عن يمينه، ومرةٌ عن يساره، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَا هذا يَا أَبَا بَكْرٍ؟» قال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك وعن يسارك، لا آمن عليك». قال:
«فمشى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلته على أطراف أصابعه، حتى حفيت، فلما رآها أبو بكر أنها قد حفيت، حمله على عاتقه وجعل يشتد به، حتى أتى فم الغار فأنزله ثمّ قال: والذي بعثك بالحق نبياً، لا تدخله حتى أدخله أنا، فإن كان من شيء نزل بي قبلك. فدخل فلم ير شيئاً، فحمله وأدخله» «١».
وقال في رواية محمد بن إسحاق: «كان الغار معروفاً بالهوام، فجعل أبو بكر يسد الجحر، حتى بقي جحران، فوضع عقبيه عليهما حتى أصبح. وقال في رواية عمر: «وكان في الغار خرق فيه حيات، فخشي أبو بكر أن يخرج منه شيء يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه، وجعلت الدموع تنحدر على خده من شدة الألم الذي يجده ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ يعني: الطمأنينة لأبي بكر»، وهذه ليلته.
قال الفقيه: حدّثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدثنا أبو بكر القاضي قال: حدثنا أحمد بن جرير قال: حدثنا عمرو بن عليّ قال: حدثنا عون بن عمرو القيسي، عن مصعب المكي قال: أدركت زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك، يذكرون النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة الغار، أمر الله تعالى شجرة فخرجت في وجه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فسترت وجه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإن الله تعالى بعث العنكبوت، فنسجت ما بينهما، فسترت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين، فأقبلتا تزقان، حتى وقفتا بين العنكبوت وبين الشجرة، فأقبلت فتيان قريش من كل بطن، معهم عصيهم وقسيهم وهراواتهم، حتى إذا كانوا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على قدر مائتي ذراع قال الدليل سراقة بن مالك: انظروا في هذا الحجر، ثم قال: أين وضع رجله؟ قال الفتيان: أنت لم تخطئ منذ الليلة أثره، حتى إذا أصبحنا قال للفتيان: انظروا إلى فم الغار- فاستقدم القوم حتى إذا كانوا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على قدر خمسين ذراعا نظروا فإذا حمامتان وحشيتان بغم الغار «٢» -، فرجعوا فقالوا:
رأينا حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفنا أنه ليس فيه أحد. فسمعهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فعرف أن الله درأ

(١) عزاه السيوطي: ٤/ ١٩٧ إلى البيهقي في الدلائل.
(٢) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «أ».


الصفحة التالية
Icon