في دار فرعون، فسكنت حيث لم يغرق. ويقال: صار قلبها فارغاً، لأنها علمت أنه لا يقتل.
وروي عن فضالة بن عبيد أنه قرأ: وَأَصْبَحَ فؤاد أم موسى فزعا يعني: خائفاً. وقراءة العامة فارِغاً، وتفسيره ما ذكرناه. وقد قيل أيضاً: فارغاً من شغل نفقته.
ثم قال: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ يعني: قد كادت لتظهر به. قال مقاتل: وذلك أنها لما ألقت التابوت في النيل، فرأت التابوت يرفعه الموج مرة، ويضعه أخرى، فخشيت عليه الغرق، فعند ذلك فزعت عليه، وكادت أن تصيح ويقال: إنه لما كبر كان الناس يقولون: هو ابن فرعون، فشق ذلك عليها، وكادت أن تظهر أن هذا ولدي، وليس بولد فرعون. ويقال إنها: لما دخل الليل، دخل الغم في قلبها حيث لم تدر أين صار ولدها، فأرادت أن تظهر ذلك لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها أي: ثبتنا قلبها. ويقال: قوينا قلبها، وألهمناها الصبر لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: من المصدقين بوعد الله تعالى حيث وعد لها بإنا رادوه إليك، فلم تجزع، ولم تظهر.
قوله عز وجل: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ يعني: قالت أم موسى لأخت موسى، وكان اسم أخته: مريم قُصِّيهِ يعني: اتبعي أثره. ويقال: يعني: امشي بجنبه في الحد، وهو في الماء حتى تعرف من يأخذه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يعني: أبصرته عن بعد كما قال وَالْجارِ الْجُنُبِ [النساء: ٣٦] يعني: البعيد منهم من قوم آخرين. ويقال: عَنْ جُنُبٍ يعني: في جانب وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ أنها أخت موسى. ويقال: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعني: وهم لا يعرفون أنها ترقبه.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٢ الى ١٤]
وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤)
قوله عز وجل: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ يعني: من قبل مجيء أمه. ويقال في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: «أن أم موسى عليهما السلام قالت لأخته قُصِّيهِ أي:
اطلبي أثره بعد ما أخذه آل فرعون، ولم يقبل رضاع أحد، وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ من قبل مجيء أخته. ويقال: حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ. يعني: منعنا موسى أن يقبل ثدي مرضع من قبل أن نرده على أمه فَقالَتْ أخته حين تعذر عليهم إرضاعه هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ يعني: يضمنون لكم رضاعه. ويقال: يضمنونه وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ يعني: مشفقون للولد. ويقال مخلصون شفقته. فقال هامان: خذوها حتى تخبرنا بقصة هذا الغلام، فأخذت، فألهمها الله تعالى عند ذلك حتى قالت: إنما ذكرت النصيحة لفرعون أعني:


الصفحة التالية
Icon